ملاحظات على مشروع قانون (كرامة) 1/3 / المختار ولد آمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فهذه ملاحظات على مشروع قانون “يتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة والفتاة” حسب النسخة الحديثة التي يسميها مروجوه (كرامة) والمتداولة بتاريخ 19/9/2023 والمعروضة على شكل عمودين: عربي وفرنسي.

وقبل أن أبدي ملاحظاتي على مشروع القانون أنبه على كونه مستلا من وثيقة اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” المعروفة اختصارا بـ(سيداو) فلا بد إذن من أخذ فكرة موجزة هذه الوثيقة، وبيان بعض ما فيها مما يخالف شرع الله، فأقول مستعينا بالله:

فكرة عن وثيقة (سيداو):

هي وثيقة صدرت عن الأمم المتحدة عام 1979م، وبدأ تنفيذها عام 1981م تتألف من مقدمة وثلاثين مادة تتعلق بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين؛ المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وقد جاء النص في المقدمة على أن الدول الأطراف “إذ تدرك أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة، وقد عقدت العزم على تنفيذ المبادئ الواردة في إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة وعلى أن تتخذ لهذا الغرض التدابير التي يتطلبها القضاء على هذا التمييز بجميع أشكاله ومظاهره قد اتفقت على ما يلي….”.

ولا تكتفي الوثيقة بإعطاء النصائح بل تلزم جميع الدول الموقعة على الاتفاقية بسن القوانين التي تمنع التمييز ضد المرأة، وباتخاذ الخطوات اللازمة لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تعتبرها الوثيقة تمييزا ضد المرأة.

وبمقتضاها يجب على الدولة الطرف في الاتفاقية إزالة التمييز في تشريعاتها، وإبطال كافة اللوائح، والقوانين، والأعراف، بل والأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، المخالفة للاتفاقية، واستبدالها بقوانين تجسد مبدأ المساواة في الدساتير والتشريعات، وإنشاء محاكم لحظر التمييز، ووضع عقوبات للمخالفين، وإتاحة المجال للنساء لتقديم الشكاوى أمام المحاكم المنشأة لهذا الغرض.

والفكرة المركزية التي تقوم عليها الوثيقة هي رفض الاختلاف بين المرأة والرجل، مدعين أن هذه الفروق تعود إلى أسباب دينية وتاريخية واجتماعية، وأن الفروق البيولوجية الموجودة بين الرجل والمرأة (والتي يقرون بوجودها) هي فروق اجتماعية خاضعة لمنطق التطور وليست طبيعية فطرية منذ بدء الخليقة (نظرية داروين الإلحادية) فالاختلاف بين الذكر والأنثى ليس شيئاً من صنع الله عز وجل في نظرهم، وإنما هو أمر ناجم عن التنشئة الاجتماعية والبيئية التي يحتكرها الرجل عبر الزمن، فمفاهيم الزوج والزوجة والأبوة والأمومة مفاهيم ناتجة عن الواقع الثقافي والاجتماعي السائد، وهي نتاج تقاليد وتصورات نمطية وأحكام مسبقة؛ في مصادمة صارخة لقول الله سبحانه: {وليس الذكر كالأنثى).

إن ربط الاختلاف بين الذكر والأنثى بالأساس الثقافي والاجتماعي هو تمهيد لتغيير الشكل المعهود للأسرة، مما يؤدي فيما بعد إلى تقبل فكرة أن يكون الرجل أماً، أو أن تكون الأسرة مكونة من رجلين أو امرأتين؛ لهذا جاءت المادة (5) تنادي بضرورة “تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة”.

من هنا نفهم التركيز الشديد في أدبيات الأمم المتحدة على ضرورة تغيير الأدوار النمطية للعلاقات بين الجنسين، وعلاقة الموضوع بفكرة (النوع) أو (الجندر).

ولقد وقَّع على الاتفاقية أكثر من 170 دولة، بينما لم توقع عليها بعض الدول الكبرى – ومنها أميركا وسويسرا – فلماذا تصرّ الأمم المتحدة وتضغط من أجل توقيع الدول النامية والفقيرة، وتغض الطرف عن الدول الغنية والكبيرة؟!

عودة إلى مشروع قانون (كرامة):

أعترف – بادئ ذي بدء – بأنه قد طرأ تحسن موضوعي طفيف على هذه النسخة تمثل في المادتين 24 ،25 اللتين قيدت العقوبات الواردة فيهما بما “إذا لم تتوفر شروط الحد” وفي المادة 36 بالإحالة إلى المادتين 6 ،7 من مدونة الأحوال الشخصية – والتي ربطت التجريم بعدم رؤية الولي المصلحة في تزويج الصغيرة – وفي المادة 47 باعتبار الحمض النووي قرينة لا دليلا.

لكن تبين – من خلال المادة الأخيرة – أن كل تلك التحسينات ما هي إلا خداع لفظي، لا يقدم ولا يؤخر؛ نصها: “يلغي هذا القانون جميع الأحكام السابقة المخالفة”.

وهذه أخطر مادة في هذا القانون على الإطلاق، وهي أهم ما يحتاج مروجوه لإقراره، ولو لم يبق منه سواها لكفتهم في تحقيق مآربهم الشريرة؛ إذ يعتبر هذا العموم الصريح المقصود هنا في الختام ناسخاً ما قبله ومهيمناً عليه، وهو مؤيَّدٌ ومشروحٌ بما جاء في اتفاقية (سيداو) في المادة 2 ضمن ما تتعهد به الدول الموقعة على الاتفاقية، ففي الفقرة: (و): “اتخاذ جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعى منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة” وفي الفقرة (ز) الموالية: “إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة”.

كما طرأت في هذه النسخة مادة افتتاحية سميت (المادة الأولى) ونص ديباجتها: “إيمانا بقيم الإسلام ومقاصده التي جاءت لتحمي قدسية الأسرة و تصون كرامة المرأة و الفتاة، واستلهاما للمبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة….إلخ.

وفي صدرها تلك العبارة الملساء؛ ذرا للرماد في العيون.

ولله در القائل:

إن الأفاعي وإن لانت ملامسها … عند التقلب في أنيابها العطب

وسأورد بعض الملاحظات على مشروع القانون في الحلقة القادمة إن شاء الله.

 

يُتبع إن شاء الله.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى