رئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي…نجاحات دولية وآفاق تنموية للقارة/ محمد سالم محمدو

سلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الاتحاد الإفريقي بعد فترة سنة من تولى قيادة هذه الهيئة المهمة التي يعلق عليها الأفارقة كثيرا من آمالهم في التنمية والسلام، وإيصال الصوت الإفريقي إلى المحافل التي ينبغي أن يسمع فيها.
دون شك كان الفترة وجيزة بحكم مقاييس الزمن، وبحكم الأزمات المتعددة التي تعيشها القارة السمراء منذ عقود، وهي أزمات تملك القدرة الفائقة على تجديد نفسها كل حين، كما أنها محكومة بما تملك القارة من وسائل، وما تملك من علاقات بينية
ولقد كانت هذه الصعوبات كلها ماثلة للعيان وعبر عنها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه في الدورة السابعة والثلاثين للاتحاد مبينا ” أن لأزمات المتلاحقة، والمتزامنة أحيانا كثيرة، الصحيةُ، والبيئيةُ، والاقتصادية، والأمنية، فاقَمَت، بمفاعيلها السلبية، حجمَ التحديات التي تواجه القارة، فشكلت بذلك عراقيل قوية، أعاقت أحيانا كثيرة، وأبطأت أخرى، إحرازَ التقدم المأمول في تنفيذ أجندة 2063″
ورغم هذه الوجازة، فقد كانت سنة حافلة بالعمل الدؤوب والمثمر والمنتج.
لقد مكنت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عدة عوامل ليقود برئاسته للاتحاد الإفريقي متغيرات نوعية على مستوى هذه المؤسسة، فقد كتنت خبرته في المجال الأمني والعسكري عاملا أساسا لتقديم حلول عملية للصراعات في القارة، وهو ما مكن تعزيز التعاون الأمني بين دول القارة، وخصوصا في مجالات التنسيق والتعاون الاستخباراتي والعسكري الأمني خلقا لمستوى من التكامل بين الأجهزة والكفايات الأمنية في محاور القارة المختلفة، مواجهة للجريمة المنظمة والإرهاب وتجارة الهجرة.
وبتلك الخلفية العسكرية والأمنية، ساهم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في دعم وتحريك المفاوضات لحل النزاعات المسلحة في دول الساحل، وفي فتح قنوات التفاوض والنقاش بين القوى السياسية في بلدان إفريقية متعددة.
وما من شك أن حل هذه الأزمات المعمرة يحتاج من الزمن والوسائل ما لا يتوفر بشكل تام، ومع ذلك فقد قطع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في هذا المجال خطوات في تهيئة الأرضيات المناسبة للتفاوض البناء
تعزيز المكانة الإفريقية عالميا
كان هذا المحور جزء أساسيا ومركزيا في الأداء الدبلوماسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال رئاسته للاتحاد الإفريقي، وقد ظهر في أكثر من مؤشر عملي، وفي مختلف الخطابات التي ألقاها الرئيس الغزواني في القمم الدولية من خلال:
السعي إلى تمكين القارة من تمثيلها المناسب: حيث دعا أكثر من مرة إلى منح إفريقيا مقعدين في مجلس الأمن لتكافئ الموقع والثقل والمكانة التي تتأهل لها إفريقيا.
المطالبة الحثيثة بإصلاح النظام المالي العالمي: بما يحقق الإنصاف للبلدات الإفريقي، وخصوصا بمعالجة فعالة لملف الديون والهيكلة الاقتصادية التي يمكن أن تحقق للقارة نماءها المنشود
المطالبة بإصلاح النظام المالي الدولي : أكد على ضرورة مراجعة النظام المالي العالمي ليكون أكثر إنصافًا للبلدان الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بالديون وإعادة الهيكلة الاقتصادية، بما يسمح للأفارقة بتحقيق علاقات اقتصادية أكثر توازنا وعدالة مع الدول والمنظمات الاقتصادية الكبرى.
التعاون مع المحاور المتعددة : عمل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على سياسة العلاقات المتعددة المحاور والأطراف، حيث كانت مأموريته في رئاسة الاتحاد فرصة لتعزيز وتنويع العلاقات الإفريقية سواء على مستوى العلاقات البينية الإفريقية، أو مع القوى الدولية المختلفة.
ولقد عبر بوضوح عن هذه المسارات المتكاملة في خطاباته داعيا إلى “ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة لتعزيز حضور إفريقيا في الهيئات القيادية، وضمان تمثيل عادل لها في النظام الدولي”.
وقد مكنت هذه الرئاسة الفعالة إفريقيا من الحصول على خط تمويل بقيمة 100 مليار دولار للتمويل الميسر للدول الإفريقية وهو المبلغ الأعلى في تاريخ الدعم الدولي للقارة، وقد كان الحصول على التمويل الكبير مصدر احتفاء وتقدير من زعماء القارة و رئيس مجموعة البنك الدولي آجاي بانجا الذي نوه بالنجاحات الكبيرة للرئيس الغزواني في تأمين حزمة تمويل إجمالية تبلغ 100 مليار دولار.
قضايا إفريقيا في القمم الدولية
أولى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قضايا إفريقيا وأولوياتها درجة كبيرة من الأهمية، فكان حاضرا ومنافحا عن القارة ومطالبها في مختلف القمم وهو ما يمكن استعراض بعض مؤشراته من خلال:
القمة الإفريقية-الكورية (يونيو 2024 – سيول): حيث أكد رئيس الجمهورية في خطابه في هذه القمة ” أن التحديات الجمة التي تواجه العالم، البيئي منها والأمني والاقتصادي والسياسي، تلزم بالعمل معا يدا بيد، لإيجاد حلول مستدامة وشاملة تصير بموجبها الشراكة بين إفريقيا وكوريا نموذجا للتعاون الدولي المؤسس على الاحترام المتبادل والتضامن والرؤية المشتركة لمستقبل أفضل” داعيا ” إلى إصلاحات جذرية تتطلب تنسيق المواقف الإفريقية، خصوصًا فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن الدولي”.
قمة التعاون بين إفريقيا والصين (سبتمبر 2024 – بكين): شدد على أهمية إعادة بناء منظومة الحوكمة السياسية والمالية العالمية لجعلها أكثر عدلًا وإنصافًا، مستعرضا أولويات القارة الإفريقية ومرامي شعوبها في العلاقات مع العالم ومع الأقطاب والمحاور الاقتصادية الكبرى
قمة الأمم المتحدة لمستقبل العالم (سبتمبر 2024 – نيويورك): وقد أكد فيها الرئيس الغزواني ضرورة “إصلاح شامل لمنظومة التعاون الدولي، وتجديد الثقة في أهداف التنمية المستدامة”. وجدد مطالب إفريقيا في تنمية شاملة وعلاقات دولية متكافئة
قمة مجموعة العشرين (نوفمبر 2024 – ريو دي جانيرو): وقد مكنت هذه القمة من حصول إفريقيا على عضوية دائمة في مجموعة العشرين، وهو ما يعزز بشكل كبير حضورها الدولي
قمة مجموعة بريكس (أكتوبر 2024 – روسيا): وفيها دعا الرئيس الغزواني إلى علاقات متكافئة ومتكاملة مع مختلف الأطراف والمحاور الدولية الكبرى، بما يحقق مصالح القارة ويضمن لها علاقات متوازنة بدلا من سياسات التنافس السلبي الذي تفقد به القارة كثيرا من مواردها وإرادتها.
وإلى جانب هذا كان ملف البيئة أحد الملفات المهمة التي أولاها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني اهتمامه في القمم، ركز الغزواني على قضايا التغير المناخي، حيث شدد على:
وبمختلف هذه الجهود تمكنت إفريقيا خلال انتداب الرئيس الغزواني رئيسا للاتحاد من الحصول على:
عضوية دائمة في مجموعة العشرين
اعتماد الدعوة لتعزيز النظام العالمي الأكثر عدالة في إعلان قمة بريكس
إقرار الأمم المتحدة بضرورة إصلاح مجلس الأمن وضرورة التمثيل المناسب للقارة الإفريقية
وإلى جانب هذه المحاور المتعددة حقق الرئيس الغزواني خلال رئاسته للاتحاد نجاحات أخرى منها على سبيل المثال:
الإصلاح المؤسسي لهيئات الاتحاد: وذلك من خلا إعادة هيكلة القيادة العليا لمفوضية الاتحاد الإفريقي: حيث تم فتح باب الترشيح وفق معايير جديدة تضمن الكفاءة والاستحقاق.
يضاف إلى ذلك تقويم كفاءات الموظفين في الاتحاد الإفريقي: وهو ما مكن من تقويم شامل لقرابة 682 موظفا في هيئات الاتحاد، كما أن روح التشاور والحوار، مكنت من تعزيز الشفافية في تدبير هياكل الاتحاد الإفريقي وتعزيز قدرات موظفيه.
وبنهاية الرئاسة الموريتانية للاتحاد الإفريقي تكون موريتانيا قد حققت للقارة نقلة نوعية في العلاقات مع العالم، وحققت لموريتانيا مسارا آخرا من تطوير قدراتها وحضورها الدولي الذي تصاعد إيجابيا وعبر محاور متعددة في تكامل بين الدبلوماسية والتنمية.