“حين تهادن السلطة.. وتغفو المعارضة” / عبد الرحمن الشيخاني بيب

شهدت الساحة السياسية الموريتانية تغيرات ملحوظة في السنوات الأخيرة، كان أبرزها انفتاح النظام الحالي على الطيف المعارض، مما أثر بشكل مباشر على الخارطة السياسية التقليدية في البلاد. هذا الانفتاح، وإن كان يُنظر إليه من زاوية إيجابية باعتباره خطوة نحو تخفيف حدة الاستقطاب السياسي وتعزيز الحوار، إلا أنه في المقابل خلق واقعًا جديدًا أدى إلى إضعاف المعارضة التقليدية التي كانت تشكل ركيزة أساسية للنظام الديمقراطي.
ضعف المعارضة لا يعود فقط إلى الانفتاح السياسي فحسب، بل ساهمت فيه كذلك بعض العوامل الداخلية، منها الانشقاقات المتكررة التي أصابت أحزاب المعارض، والتغيرات في قياداتها التي أضعفت ارتباطها الرمزي بجمهورها.
ثم إن افتقار المعارضة إلى خطاب موحد ومشاريع سياسية واقعية زاد من تراجع تأثيرها على الساحة. ولم يكن اندماج بعض رموزها في الحكومة الحالية سوى مؤشر آخر على فقدانها لجزء من هويتها النضالية التي كانت تمثلها أمام قواعدها الشعبية.
إن غياب معارضة قوية وفاعلة يضعف دور المراقبة السياسية ويعزز هيمنة السلطة، مما قد يؤدي إلى تحول المعارضة إلى مجرد أداة شكلية لا تفي بالغرض الديمقراطي الذي يضمن التوازن بين الحكومة والمعارضة. علاوة على ذلك، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى عزوف شعبي عن السياسة نتيجة شعور المواطن بعدم جدوى المعارضة التقليدية في تحقيق طموحاته.
رغم ذلك، فإن المعطيات الحالية قد تكون مؤشراً على إمكانية بروز معارضة جديدة خارج الإطار الحزبي التقليدي. فالشباب، الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد، قد يتجهون نحو تشكيل حراك غير مؤطر يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المستقلة للتعبير عن تطلعاتهم واحتياجاتهم. كما أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة قد تكون الدافع الأكبر لظهور تيارات شعبية تطالب بتغيير جذري في النهج السياسي.
التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية تضع النظام والمعارضة أمام تحدٍ حقيقي. فالنظام مطالب بتقديم حلول واقعية لمشاكل المواطنين لتفادي غضب شعبي غير منظم، فيما تحتاج المعارضة إلى إعادة بناء نفسها ومراجعة استراتيجياتها لتتمكن من استعادة دورها كفاعل أساسي في العملية الديمقراطية.
موريتانيا بحاجة إلى معارضة قوية بنفس قدر حاجتها إلى حكومة ناجحة، لأن التوازن بين الطرفين هو الضمانة الأساسية لاستمرار مسار ديمقراطي يحقق طموحات الشعب ويحافظ على التوازن السياسي.