العيوب الخلقية للقلب تبدأ من المشيمة خلال الحمل
كشفت دراسة حديثة، أجراها باحثون من جامعة نانجينج في الصين، عن رابط وثيق بين العيوب الخلقية للقلب والمشكلات التي تصيب المشيمة أثناء الحمل.
وتعد العيوب الخلقية للقلب الأكثر شيوعاً لدى البشر، ورغم تقدم الأبحاث، فإن أسبابها لم تكن مفهومة بشكل كامل حتى الآن، فيما ركَّزت الدراسة على بروتين يدعى SLC25A1، المعروف بدوره في نقل حمض الستريك داخل الخلايا، وهو عنصر يؤثر على التعبير الجيني.
ولاحظ الباحثون أن مستويات هذا البروتين تكون منخفضة لدى العديد من المرضى الذين يعانون من العيوب الخلقية للقلب.
ومن خلال استخدام أدوات التعديل الجيني لإزالة هذا البروتين في أجنّة الفئران، تمكن الباحثون من تحديد أن فقدانه لا يؤثر مباشرة على القلب، بل يؤدي إلى مشكلات في نمو المشيمة، والتي بدورها تسبب عيوباً قلبية.
العيوب الخلقية في القلب
أجرى الفريق البحثي سلسلة من التجارب لاستكشاف الأنسجة التي يحتاج فيها الجنين إلى بروتين SLC25A1، وعندما أُزيل البروتين من الخلايا القلبية للأجنّة، لم تحدث أي عيوب في القلب، ولكن عند إزالته من أنسجة المشيمة فقط، ظهرت مشكلات في نمو المشيمة وأعقبها عيوب خلقية في القلب، مما يدل على أن الخلل يبدأ في المشيمة.
وأظهرت الدراسة أن فقدان SLC25A1 يؤثر على توازن حمض الستريك في خلايا المشيمة، مما يغيّر تركيبة الحمض النووي، ويؤدي إلى اضطرابات في تطور المشيمة.
يعمل هذا البروتين كناقل، إذ يساهم في توصيل حمض الستريك إلى أماكن مختلفة داخل الخلية، مما يتيح إنتاج مشتقات مهمة تُستخدَم في تعديل التعبير الجيني، والتحكم في العمليات التطورية.
وعند غياب بروتين SLC25A1، يختل التوازن الطبيعي لحمض الستريك داخل خلايا المشيمة، ما يؤدي إلى نقص في توفر المشتقات الأساسية لحمض الستريك، ويعطِّل العمليات البيولوجية التي تعتمد عليها الخلايا للحفاظ على وظائفها الطبيعية، بما في ذلك نمو المشيمة.
مشكلات المشيمة أثناء الحمل
وأظهرت التحليلات الجزيئية التي أجراها الباحثون أن فقدان التوازن في حمض الستريك يؤثر بشكل مباشر على التركيبة الكيميائية للحمض النووي (DNA) في خلايا المشيمة، ما يؤدي إلى تغييرات في تعديل الحمض النووي، مثل انخفاض معدلات الميثلة، وهي عملية ضرورية لتنظيم الجينات بشكل صحيح، وعندما تتعطل هذه العملية، تحدث تغييرات غير طبيعية في التعبير الجيني داخل خلايا المشيمة، مما يسبب اضطرابات في تطورها.
وأدى فقدان SLC25A1 أيضاً إلى تغييرات في مورفولوجيا الخلايا المشيمية؛ إذ أظهرت الدراسة أن المشيمة أصبحت أرق، وأقل قدرة على أداء وظائفها الحيوية، ما أثَّر على قدرتها على توفير الأكسجين، والمغذيات اللازمة
كما لاحظ الباحثون انخفاضاً في مستويات بروتين PSG1، المعروف بدوره في تنظيم نمو الخلايا البطانية التي تبطن الأوعية الدموية.
وبروتين PSG1 أحد البروتينات الرئيسية التي تنتجها خلايا المشيمة خلال فترة الحمل، ويلعب دوراً محورياً في دعم تطور الجنين عن طريق تنظيم نمو الخلايا البطانية؛ إذ تكون هذه الخلايا بطانة الأوعية الدموية، وتساهم في تكوين شبكة أوعية دموية سليمة داخل المشيمة، وهو أمر حيوي لتوفير الأكسجين والمغذيات للجنين النامي.
في الدراسة، وجد الباحثون أن فقدان بروتين SLC25A1 في خلايا المشيمة يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج بروتين PSG1، والذي يسبب بدوره اضطرابات في عملية تطور الخلايا البطانية، مما يعوق تكوين شبكة أوعية دموية صحية داخل المشيمة.
كفاءة المشيمة ونمو الجنين
ونتيجة لذلك، تقل كفاءة المشيمة في نقل الأكسجين والمغذيات، مما يؤثر سلباً على نمو الجنين، لا سيما على تطور القلب.
وفي تجربة أخرى، قام الباحثون بإعطاء بروتين PSG1 البشري لفئران حوامل، تعاني أجنتها من نقص في SLC25A1، وكانت النتيجة تحسناً في نمو المشيمة والقلب، مما يفتح آفاقاً لاستخدام ذلك البروتين كعلاجٍ محتمل لتحسين نمو الجنين في حالات مشكلات المشيمة.
وبينما تحتاج هذه النتائج إلى مزيد من الدراسات قبل تطبيقها على البشر، إلا أنها تسلط الضوء على أهمية المشيمة كعامل أساسي في تطور الأجنة.
ويأمل الباحثون في استخدام النتائج لتطوير استراتيجيات علاجية لمنع العيوب الخلقية للقلب لدى الأجنّة التي تُظهر مشكلات في المشيمة أثناء الحمل.
المصدر: الشرق