العلاقات البشرية/ عبد الرحمن الشيخاني بيب

لم تكن الحلقة الأكثر مشاهدة عالميا في تاريخ البودكاست حول السياسة ولا الفن ولا الرياضة ولا الصحة ولا الترفيه ..

بل كانت رائعة” ياسر لحزيمي ” ، -ثلالث ساعات وثلاثة دقائق وتسع ثواني – شاهدها أكثر من مئة مليون شخص من مختلف أنحاء العالم ..

“كيف تنجح العلاقات ” العنوان الذي أثار اهتمام كل هؤلاء النساء والرجال والشباب والشيوخ رغم اختلاف ثقافاتهم وأجناسهم و أعمارهم واهتماماتهم

لم يكن الأمر مجرد صدفة .. فبعد تخرجه من جامعة هارفارد ألف الصحفي الأمريكي السابق عالم النفس “دانيال جولمان” كتابه الشهير -الذكاء العاطفي- الكتاب الذي حطم رقما قياسيا في عدد المبيعات لسنة 1995

تمت ترجمة الكتاب إلى جميع اللوغ العالمية وأصبح من أهم المراجع لمفهوم الذكاء العاطفي الذي برز قبل سنة واحدة من صدور الكتاب ..

“العلاقات البشرية ” المبحث الأكثر تعقيدا وتشعبا وجمالا من بين كل تلك المباحث التي استلهمتي طيلة مسيرتي القصيرة في البحث والمطالعة

كنت كلما أيقنت بالصول إلى نمط معين أراه النمط المثالي لإدارة وتسيير العلاقات أجدني أقل الناس فهما لمكامنها وحقيقتها

الإنسان بفطرته كائن اجتماعي مجبر على التكيف مع العلاقات منذ شهقة الولالدة فيجد نفسه منذ الوهلة الأولى في خضم علاقة تكاملية ربانية بديعة تضمن له الرعاية والحماية والأنس وهي علاقة عائلية مقدسة تربض على هرم العلاقات البشرية لها استثناءاتها من بين كل العلاقات

( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )

وهي أهم علاقة بعد العلاقة التعبدية بالخالق وإصلاحها وتعظيمها هي الخطوة الأولى نحو نجاح بقية العلاقات ..

ثم تأتي بعد سنين المهد علاقة الأخوة فارضة نفسها دون عناء أو تكلف وهي علاقة صادقة وثيقة تحتل مكانة سامقة في النفوس فهذا كليم الله يناجي ربه :

(واجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ونَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً}

وهذه أخته تقطع المسافات وتجوب مواطن الخطر باحثة عن حيلة تنجي أخاها من كيد فرعون في صورة بديعة ملهمة خلدها القرآن :

(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ)

ثم تأتي علاقة الصداقة بمراحلها وأنواعها وأشكالها المختلفة ولكل منها مكانتها وخصوصيتها والتفريق بين الصاحب والخل والرفيق والصديق والزميل ضرورة من أجل فهم كل علاقة وتسييرها حسب الاحتياج…

وهي من أهم العلاقات البشرية لأنها علاقة اختيارية تنشأ بحرية كاملة وبرضى الطرفين دون أي ضغط أو إجبار ..

فالصاحب سند ورفيق يعين على مشقة الحياة يجد فيه كل منا ذاته ويتشارك معه الأسرار و الهموم والصعاب فعلاقة الصحبة هي علاقة عفوية غير مادية ينزل فيها الإنسان من برجه العالي ليمارس حقيقته بكل حرية وثقة وأمان بعيدا عن الرسميات والمثاليات التي تفرضها طبيعة المجتمعات ..

فالصاحب الصالح خير معين ومثبت و خير محفز وخير مؤثر وخير مواسي ولنا في الحبيب وصاحبه أسوة حسنة في رحلة بحثنا عن حقيقة هذه العلاقة

(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ)

الحقيقة أننا كبشر بحاجة لكنف رحيم ويد تمسح عنا الدموع دون انتظار مقابل ، بحاجة لمن يفهمنا ويتفهمنا بصدق دون عناء وذالكم هو الصاحب …

أما عن العلاقة العاطفية بين الجنسين فهي علاقة مختلفة عن جميع العلاقات بجانبيها الحسي والمادي وفهما يستدعي الفصل بين الغريزة المحضة والعقل الواقعي والعاطفة القابضة و جوهر هذه العلاقة الحقيقي هو “الحب ” في قول الحبيب صلى الله عليه وسلم “لاتؤذوني في عائشة” ….

فتوفي صلى الله عليه وسلم في حجرتها بين نحرها وسحرها – في قصة من أعظم وأنبل وأطهر قصص الحب في التاريخ .

زر الذهاب إلى الأعلى