في “كتاب البادية” / د.إسكو أحمد إريد بيه

عندما يهديني من أقدر علمه وكرمه كتابا، أفكر تلقائيا في المكان الذي سأخصصه لهذا الكتاب في المكتبة المنزلية، ريثما أجد الوقت لقراءته دون توقف ؛ وغالبا ما أتصفحه، فور استلامه، مجاملة وجسا للنبض الشكلي للكتاب وسبرا سريعا لمحتواه.

التوجس
عندما استلمت نسخة من “كتاب البادية” للعلامة الشيخ محمد المامي ولد البخاري، طيب الله ثراه، من أحد الأصدقاء مشكورا، لم أجد كبير عناء في تحديد مكان لهذه التحفة الفقهية والإناسية بين “مجموع النوازل المعروف بمجموع انبوي”، للعلامة عبد الرحمن بن الطالب محمد المحجوبي و”ميسر الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل” للعلامة الشيخ محنض باب بن عبيد الديماني، رحمهم الله تعالى جميعا. فتحديد مكان فيزيائي ومواضيعي للكتاب، يساعدني على أرشفته ذهنيا وبرمجة قراءته لاحقا.
لم أتردد كثيرا في اختيار صفحة من الكتاب، عشوائيا لأنهمك في قراءتها ؛ وشاء القدر أنها كانت – هي والصفحات التي تليها- تتعلق بمصطلح “الاستدلال” عند أبي الحسن الأشعري وابن السبكي والشنقيطي، بالإضافة إلى مرادفات هذا المصطلح عند الإمام مالك (المصالح المرسلة) والإمام الشافعي (الاستحصاب) والإمام أبي حنيفة (الاستحسان)، وقد ميز الكاتب بين الاستدلال المباشر والاستدلال غير المباشر (الخلف)، تغمد الله الجميع بواسع رحمته. استهوتني القراءة، فلم أتوقف إلا بعد أن أعيتني لغة الكتاب دقيقة الاختصاص ؛ استنتجت من هذا اللقاء السريع سعي “كتاب البادية” إلى ضبط قواعد لتنزيل الأحكام على معاملات أهل تلك الفترة في بلاد “شنجيط”، كما استنتجت أن قراءته تتطلب من غير المختص، على أقل تقدير، مصاحبة معجم موسوعي.

توقعت أن أعثر في هذا المرجع الثمين على بعض ما سمعته في السابق من شعر “حساني” للكاتب يتعلق بتقديرات أسية لعدد حصى الأرض وعن تصور لكرويتها وغير ذلك من التخمينات المتقدمة، مقارنة بمستوى التطور العلمي في شبه المنطقة وفي العالم يومذاك.
تسلحت ب-“قاموس سمير الموسوعي” (@سمير للنشر، بيروت، 2005)، ثم أعدت الكرة قراءة ل”كتاب البادية” انطلاقا من البداية هذه المرة، فعثرت (لغة واصطلاحا) على المقدمة الإكليلية التي سطرها بجدارة وتمكن المرحوم المرابط محمد سالم ولد عبد الودود للكتاب ؛ لم تكن قراءة “جمانة المقدمات”، مشجعة لي، إذ تقول: “أما بعد فمن العسير كتابة مثلي عن مثل الشيخ محمد المامي (…)”، “(…) ومن العسير تقديم مثلي لكتابه المعروف بكتاب البادية” (…).”
وفي الفقرة الأخيرة من هذه المقدمة المركزة، نقرأ : “أعود من حيث بدأت، فأقول : من العسير كتابة مثلي عن مثل الشيخ محمد المامي، رحمه الله تعالى (…).”
فتكرار لفظة “عسير” ثلاثا من طرف شخصية علمية وأدبية بمستوى المرحوم محمد سالم ولد عبد الودود، جعلت حماسي المبدئي للاطلاع على هذا المرجع الفريد، يفتر إلى حد التفكير في الإحجام عن قراءته.

المغامرة
في النهاية، تجلدت وقررت “ألا أموت بليدا…”، فأبحرت في رحلة كونية، في مقصورة ترتطم باطراد بصخر اللغة الجزلة وتتأرجح تحت ضغط الاصطلاح الدقيق، ويكاد يغمرها، من وقت لآخر، مد وجزر من التأصيل والتفريع، وتتباطأ كثيرا عند كل إبداع “قياسي” وتوشك أن ترسو في لج أول الاستدلالات.
نعم، إنها رحلة منهكة ذهنيا، خاصة في البداية، نتيجة لعبقرية الكاتب وفكره الموسوعي ودقة استشهاداته والسقف التخصصي “الهملائي” الذي تبناه لمرجعه المتقدم على زمانه، وأسلوبه الإيمائي النخبوي، والتعدد المحير لمراجعه -وهو الذي عاش، رحمه الله تعالى، في بلاد “السيبه”، بمواردها الشحيحة جدا وعزلتها المطبقة، مما جعل كثيرين يعتقدون جازمين أن للغيبيات دورا في اطلاع الكاتب على هذا الحجم الهائل من المراجع ؛ فهو الذي يؤكد : “انظر مجموعا جمعناه في الترجيح من عدة كتب”.
بعد الانتهاء من قراءة الكتاب وبناء على ما سبق، اقتنعت بأنه من العبث بمكان محاولة تلخيص “كتاب البادية” بشكل مجد، بعد “لؤلؤة المقدمات” اللتي سطرها العلامة محمد سالم ولد عبد الودود، رحمه الله تعالى.
لهذه الاعتبارات، لن أخوض، إذن، في الموضوع الرئيسي للكتاب، بل سأكتفي ببعض الانطباعات الهامشية التي ولدتها لدي قراءة غير محترفة لهذا المرجع غير النمطي.

شبه خيبة أمل
لم أعثر في “كتاب البادية”، على أية معلومة تتعلق بإحصاء حصى الأرض أو بكرويتها أو ما شابه ذلك مما اشتهر به الكاتب في أصقاع الفضاء الناطق بالحسانية وجواره، ولعل الأمر يعود إلى العامل الزمني ؛ فالاهتمامات “العلمية الحديثة” لدى الشيخ محمد المامي قد تكون لاحقة على كتابة مرجعه الرئيسي حول فقه النوازل في بلاد “شنجيط”. فمن شبه المستحيل أن يكون عالم جليل مثل الشيخ محمد المامي ولد البخاري، ضليعا بعلم بعينه وأن يحرر مرجعا أساسيا مثل “كتاب البادية”، دون أن يترك “توقيعا” واضحا لذلك العلم في هذا الكتاب، حتى وإن ابتعد العلم المذكور عن موضوع الكتاب. فالشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى، أخذ من كل فن (الشعر، الحكم، الأمثلة، بشقيها الفصيح والعامي…) بطرف لتعضيد بعض آرائه المتقدمة، ومن المستبعد أن يستثني المسوغات العلمية والتقنية التي تتميز بالحداثة (النظرية) والجاذبية (الفكرية) والفعالية (الحجاجية)، خاصة عندما يتعلق الأمر بتنزيل الأحكام الشرعية، لأول مرة، على ممارسات عرفية لم يسبقه أحد إلى وصفها بدقة، ومحاولة استنطاق الأدلة الشرعية (من نص، إجماع، قياس، استدلال) بخصوصها.

كتاب تربوي
يعتمد الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى في “كتاب البادية” منهجا تربويا بامتياز، إذ يبدأ بتحديد مستويات الاجتهاد وشروط كل منها، ثم يبرر بشكل واضح ومقنع وجاهة البحث عن الأحكام الشرعية للممارسات العرفية السائدة يومها في غرب الصحراء الكبرى.
وبنزاهة فكرية نادرة، يقوم الكاتب الفذ بجرد أهم الآراء الفقهية حول كل موضوع يدرسه، في مقاربة تكاملية بين المذاهب الأربعة، ثم يوظف وسائل الإقناع النقلية والعقلية الأخرى تهيئة وتمحيصا للخلاصة التي يود التوصل إليها والتي غالبا ما يبدأها، تواضعا، بعبارة من قبيل : “وقلت-ولاقول لي-…”، ويختتمها، استشرافا لأي استشكال محتمل، بصيغة على شاكلة : “(…) والله أعلم بحكمه”. ولا يتردد الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى في الاستشهاد بنصوص تطول وتقصر، يحرص دائما على شرحها بشكل تربوي، كالنص المقتضب لمحمد الأمير(مالكي المذهب)،المتعلق بصلاة الجمعة في بداية “كتاب البادية”، والنص الطويل نسبيا لابن السبكي (شافعي المذهب) بخصوص مفهوم “الاستدلال”، في نهاية الكتاب.
يقسم الكاتب عمله إلى أبواب وفصول، تتخللها عناصر “تهوئة تحريرية” في منتهى المعاصرة، كالتنبيهات والمسائل والفوائد في كل الكتاب تقريبا، والتلميات والخواتم في بدايته، وبما عنونه الكاتب “جمان كتاب البادية”، في نهاية الكتاب، حيث تتالى سبع عشرة “جمانة”، بالإضافة إلى “جمينة صغرى من جمان العادة”.
فتخلل هذا العدد الكبير من العناوين الجزئية الشيقة والمتنوعة للكتاب، يسهل -إلى حد ما- قراءته وفهمه.
وكتأكيد ختامي على الطابع التربوي البديع ل-“كتاب البادية”، يسهر الكاتب على التذكير، في “جمانة أولى” قبل أخيرة، بأهم النوازل التي تطرق إليها في الكتاب، ومنها : مسجد البادية، الحبس وقسمته، نصب القضاة الجهلة، الضرورات، “شأن مداراتهم وعاداتهم وجماعاتهم…”.
ويواصل الكاتب قائلا : “ثم درجنا إلى “بَلَّنْتِ” وهي النملة الحمراء بالبربرية، وذلك ك-“خُرُوگْ” و”دَمْرَاو” و”هِيبْ” و”التَّبْلَاحْ” و”ونگَالَ” و”الْفَسْخَ” و”لَگْزَانَ” وشرب الدخان وغير ذلك من “بلَّنْتِ” “.
ينصح الكاتب منهجيا، فيؤكد : ” (…) المذموم اتباع الأغراض والأهواء والتكلم في النازلة قبل البحث عن حكمها، أو مع جهل المصالح والضرائر”. ثم يذكر بالمسطرة ثلاثية الأجناس المعتمدة : القواعد الأصولية، القواعد الشرعية، التخريج ؛ ويحيل، بهذا الخصوص، إلى قصيدته “الميزابية”.
وفي الأخير، يبرر مبادرته الحكم بحلية هذه النوازل بشكل مبسط وببلاغة نادرة : “وما ألجأني إلى جذع نخلة هذا العلم الغريب، إلا مخاض ضرورات البادية، وعوائدهم ؛ وهم يصدق عليهم أنهم قطر من المسلمين، ولهم ضرورات وعوائد ؛ والضرورات والعوائد مما تبنى عليه الأحكام (…)”.
أثار انتباهي حكم الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى بوجوب “التزاويت” (“استزوي” في بعض المناطق)، إذ يورد : “وأما حكم التزاويت، فهو الوجوب، مع أنها عادة شديدة الخلاف للشرع، كما مر، وذلك لوجوب ارتكاب أخف الحرامين والضررين والمكروهين، كما لا يخفى على المتعين للفتوى من الزوايا، كعلامة المنكب البرزخي ، أحمد بن العاقل ؛ فإنه على ذلك درج، فلا نطيل الكلام فيه، ولا نشاء أن نستدل عليه بدليل من الكتاب والسنة ؛ وهلم جرا، إلا فعلنا ؛ إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين”.

كتاب في المنطق
بدلا من العثور على “جُمان” إحصائي لحصى الأرض أو جغرافي حول كرويتها في “كتاب البادية”، فاجأتني المسحة المنطقية الواضحة لهذا النص ؛ فالكاتب يخاطب عقل القارئ إقناعا له بكل الوسائل التي في جعبته، وهي كثيرة ومتنوعة : أصولية وفقهية ولغوية وتراثية ومنطقية، نعم منطقية بالمعنى العام وبالمعنى الخاص المتعارف عليه اليوم في الرياضيات مثلا.
ففي ما يتعلق بالمسلمات، يذكِّر الكاتب :
“وكيف يصح في الأذهان شيء # إذا احتاج النهار إلى دليل ؟ “.
وكتهيئة نفسية وفكرية للقارئ، لتقبل عدم تعطيل الأحكام لما له من ضرر محتمل، يورد الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى، مقولة لأبي عبد الله بن عرفة : “الجمود على النص من غير التفات إلى أحوال الناس وعوائدها وتنويعات الأزمان ضلال وإضلال”.
ولكي يوضح بما فيه الكفاية للقارئ مفهوم الاستدلال، يذكر بالتعريف الذي أعطاه ابن السبكي في “جمع الجوامع” (“الجامع الكبير”) : “استثمار القواعد والقوانين العقلية والقواعد الكلية الشرعية المناسبة للتوصل إلى أحكام شرعية للقضايا المستجدة”.
في “كتاب البادية”، أورد الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى عبارة “الاستشكال، علم” عدة مرات، كمقولة مأثورة لدى العلماء، وذكر مرة أنها في كتاب “التاج والإكليل”. فتحديد الإشكال بدقة وبناء على مقدمات صحيحة يتطلب خبرة وفطنة وذكاء ؛ وطرح السؤال الموضوعي الذي بالإجابة عليه يُتوصل إلى حل الإشكال، خطوة هامة نحو تحقيق المناط.
تطرق الكاتب إلى المقام الإثباتي ل”المثال”، فأورد ملاحظة لسيبويه بهذا الخصوص : “وهذا مثال والمثال لا يتكلم فيه. فإن صح أن المثال يكون تقريبا، لم تلزم صحته، ولا فساد الممثل لفساده”. فالاستثناءات، لا تنفي وجود قاعدة من المنظور اللغوي ؛ والأمثلة الصحيحة على فرضية معينة، لا تثبت صحة هذه الفرضية مطلقا -إلا إذا استنفدت كل مجال هذه الفرضية. في هذا الإطار، يتعجب الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى من تحديد ابن السبكي للعدد العشوائي “أربعين نصا”، قائلا : “تعجبنا من قوله أربعين، ولم لا يقول أربعين ألف نص، بديهة ضرورة”. ويذكر الكاتب بمفاهيم وقواعد منطقية عديدة، منها مثلا : “الاستقراء بالجزئي على الكلي” و “نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم”، إلخ.
يستشف من ما سبق، أن الكاتب كان ضليعا بثقافة منطقية واسعة.

تجاذب فقهي
يورد الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى في “كتاب البادية”، إشارات صريحة وضمنية، تشي بالسياق الخاص السائد وقتها ؛ فبالإضافة إلى “السيبه” والضيق الاقتصادي، هناك ما يدل على التجاذب الفقهي.
ففي ما يبدو موقفا دفاعيا عن تحليله بعض النوازل، يقول الكاتب : ” أما الجواب عن السؤال الثاني، وهو أني ذهبت إلى التحليل في جميعها ولم أذهب إلى التحريم ؛ وفي ذلك فتح باب لا يسد . هو أن الداعي إلى هذا، أمران. أحدهما عدم وجود النصوص على الأحوال. والثاني، التسهيل على هذه الطائفة من الأمة، التي ألجأتها الضرورة إلى التبدي ؛وإن كان مقولا فيه هذا ؛ (…) فتقربنا إلى الله بإخبارهم، أن لهم فيه شبهة لحديث أبي موسى ومعاذ : “يسروا، ولا تعسروا ؛ وبشروا، ولا تنفروا””.
وفي مقام آخر، يخبر الكاتب : “من علامات العارف بالله أن يضيق على نفسه ويوسع على الناس”.
وكمثال إضافي على التجاذب المذكور، ها هو الكاتب يذكر، في معرض حديث له، بالبيتين التاليين لقيس الأنصاري :
“لعمرك ما زين الرجال لحاهم # وما زينهم إلا النباهة والعقل،
وكم لحيّة طالت على ذقن جاهل # وما تحتها إلا الحماقة والجهل”.
هناك كذلك عبارات من قبيل : “قرأنا فيها كثيرا، ولم نفهم إلا قليلا” ؛ كما توجد صيغ نقد مبطن، مثل :” (…) والقسمة التي قلما يوجد لها قسام (…)”.
ويشكل دفاعه المتوازن عن “وجوب التزاويت”، “رغم أنها عادة شديدة الخلاف للشرع”، دليلا آخر على نقاش محتدم حول هذا الموضوع بالذات وغيره، يومها.

“شنجيط”
تحدث الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى، مرارا عن بلاد شنجيط التي ذكر مرة أنها تقع ما بين “آگمَيْنِ و واد نون”، ولم يستعمل مرة واحدة كلمة “شنقيط” ذائعة الصيت اليوم.
في البادية التي عرفتها، كان “الأخضري”، لناظمه العلامة عبد الله ولد الحاج احمالل (ناظم “ارساله” كذلك)، رحمه الله تعالى، أول نص فقهي يتعلمه الشباب حفظا وشرحا، ويبدأ كما يلي :
“عبد الإله الشنجيطي يشتري # بعقده المنظوم تبر الاخضري”.
فهذا، إذن، عالم جليل آخر يعرف نفسه بأنه “شنجيطي” الموطن.
دائما بخصوص هذه التسمية، أتذكر أنني ورفاقي في المدرسة الإبتدائية في آمرج الحبيبة، كان نشيدنا المفضل ينتهي بالبيت :
“شناجطا، شنجيطنا # تسقط ثياب الألم ! ” ؛ بيت كنا نردده مرات، إيذانا بمغادرة القسم.
نحن نقول “شنگيط” أو “شنگيطي”، وحرف (الجيم) أقرب نطقا إلى (الكاف المعقودة) من الحرف (القاف)، فلماذا فرض علينا الآخرون هذا النطق الغريب، وما الذي يمنعنا، طبقا لما ورد في “كتاب البادية” ونظم “الأخضري” والأناشيد المدرسية الأولى، من العودة إلى إلى “شنجيط” بدل “شنقيط” التي تحوي جذرا غير مريح لغويا…

أمنية شخصية
يضخ قلب كل موريتاني دما تمتزج فيه الجينات العربية والبربرية والزنجية، بشكل لا يحتاج إلى أي تحليل مخبري ؛ والكثير من الموريتانيين يعرفون بدقة تفاصيل أواصر القربى تلك… انطلاقا من حكم الشيخ محمد المامي رحمه الله تعالى، “المتوازن” على “التزاويت” وملاحظته التالية : “إعلم أن السياسة تتداخل مع المصالح المرسلة وأكثرها أيضا تدخل في قاعدة ارتكاب أخف الضررين”، ونظرا إلى “تغير الأحوال” على أكثر من صعيد، مقارنة بفترة ما قبل الاستقلال، واعتبارا للضرورة المصيرية لوحدة وطنية قوية، لما ذا لا تقرر نخبنا الدينية والفكرية والثقافية رفع شعار “الرحم” بيننا و”يكصر كل واحد منا ظلعه للوخر”، في إطار عقد اجتماعي طوعي، عماده قيم الإسلام السمحة، تحل بموجبه مفاهيم المساواة والمواطنة والاستحقاق و الإنصاف، محل كل “استفعيل” عرقي أو طبقي وكل “اتفعليل” فئوي أو شرائحي ؟

تنبيه وداعي
أود، في ختام هذه الإطلالة غير المتخصصة على أحد أهم الأعمال الفكرية في حيز الصحراء الكبرى وعبر التاريخ الطويل لهذا الحيز، أن أذكر القائمين على “المحاظر” و”الزوايا” والمكتبات الأهلية أن بوسعهم الترشح لنيل جائزة شنقيط في الدراسات الإسلامية، ليس فقط من خلال مخطوط أو مخطوطات قديمة نادرة ومتميزة ك-“كتاب البادية”، بل كمؤسسات ؛ فالمحظرة (س) والزاوية (ص) والمكتبة (ه) -شأنها في ذلك شأن الجامعات والكليات والمعاهد ومراكز البحوث-، يمكنها جميعا أن تترشح كهيئات لنيل أهم جائزة في البلاد، يسلمها سنويا فخامة رئيس الجمهورية، خلال أرفع حفل ثقافي رسمي في نواكشوط.

إسلك أحمد إزيد بيه

 

زر الذهاب إلى الأعلى