تمكين الشباب بين الخيار والضرورة.. حديث في العمق /إزيدبيه الامام
تمكين الشباب أحد الموضوعات التي لها أهمية متزايدة في عالمنا اليوم، حيث يشكل الشباب شريحة كبيرة من السكان في العديد من الدول، وفي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المجتمعات يصبح تمكين الشباب مسألة حيوية ليس فقط كخيار لتنمية المجتمع وإنما أيضًا كضرورة لضمان مستقبل أفضل.
وذلك لكونه أصبح إحدى القضايا الحيوية التي تلامس صميم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المعاصرة، فهو لا يتوقف عند مجرد توظيف الشباب أو مشاركتهم في البرامج التعليمية، بل يتجاوز ذلك إلى تعزيز قدراتهم ومهاراتهم، مما يؤهلهم للعب دور فعّال في المجتمع.
وتمكين الشباب هو عملية تهدف إلى تزويد الشباب بالمعرفة والمهارات والموارد اللازمة ليصبحوا قادرين على اتخاذ قرارات تؤثر في حياتهم والمشاركة الفعَّالة في مجتمعاتهم. يتضمن ذلك تعزيز قدراتهم في مجالات متعددة، مثل التعليم والتوظيف والقيادة والمشاركة السياسية.
وتتمثل أهمية تمكين الشباب في عدة جوانب..
أولها: تحقيق التنمية المستدامة: حيث يُعتبر الشباب القوة الدافعة للتغيير في العالم. فمن خلال تمكينهم يمكنهم المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، سواء في مجالات البيئة، أو الاقتصاد، أو التعليم،
وثانيها: تعزيز المشاركة السياسية: فالشباب هم جيل المستقبل، وتمكينهم يعني إشراكهم في اتخاذ القرارات وصياغة السياسات التي تؤثر على حياتهم. فالمشاركة الفعّالة تكسبهم الثقة وتعزز من وعيهم الديمقراطي،
وثالثها: زيادة الإنتاجية: فمن خلال تطوير المهارات والقدرات يزداد إنتاج الشباب، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني،
وعلى الرغم من الأهمية البالغة لتمكين الشباب، إلا أنهم يواجهون عدة تحديات أبرزها:
– نقص الفرص التعليمية: ففي بعض الدول ومنها بلدنا، يُعتبر الوصول إلى التعليم الجيد حقًا غير متاح للكثير من الشباب، مما يحد من فرصهم في النمو والتطور،
– البطالة: تعاني العديد من الدول ومنها موريتانيا من نسب مرتفعة من بطالة الشباب، الأمر الذي يؤدي إلى إحباطهم وفقدانهم الأمل في بناء مستقبل مشرق،
– نقص الموارد: هل تمتلك الوزارة المعنية الموارد الكافية لتطوير برامج فعالة لتمكين الشباب للتغلب على هذا التحدي؟،
– الأفكار التقليدية: تُعتبر الأفكار التقليدية حول دور الشباب عائقًا أمام تمكينهم، خاصة في مجتمع مثل مجتمعنا،
– الفرص المحدودة: قلة الفرص الوظيفية والتنموية في بعض المناطق تجعل من الصعب على الشباب تحقيق إمكاناتهم.
وللتغلب على هذه التحديات، من الضروري للجهات المعنية اعتماد استراتيجيات فعّالة تشمل:
– توفير التعليم والتدريب المهني: يجب تعزيز برامج التعليم والتدريب التي تتناسب مع احتياجات سوق العمل، مما يمكّن الشباب من اكتساب المهارات المطلوبة،
– توفير فرص العمل: ينبغي على الحكومة والمؤسسات الخاصة خلق فرص عمل جديدة، خاصة في القطاعات التي يتزايد فيها الطلب في سوق العمل،
– تعزيز الثقافة المدنية: فمن خلال برامج التوعوية يمكن تشجيع الشباب على المشاركة في العمل المجتمعي وتفعيل دورهم في صنع القرار.
وتلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تمكين الشباب، حيث توفر لهم المنصات للتواصل وتبادل المعرفة. كما تتيح لهم إمكانية الوصول إلى الموارد التعليمية والفرص الوظيفية. وفي عصر الرقمنة، يصبح من الضروري إكساب الشباب المهارات التكنولوجية اللازمة لمواكبة التطورات السريعة.
وهناك العديد من الخيارات التي يمكن أن تسهم في تمكين الشباب. والتي تشمل:
– التعليم والتدريب: وذلك من خلال تحسين جودة التعليم وتوفير برامج تدريبية تتناسب مع احتياجات سوق العمل،
– المشاركة السياسية: تشجيع الشباب على المشاركة في الحياة السياسية، من خلال تعزيز الوعي بالقضايا السياسة المحلية،
– الابتكار وريادة الأعمال: من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتشجيع روح الابتكار لدى الشباب وتوفير فرص العمل،
– التطوع: تعزيز ثقافة التطوع، مما يساعد الشباب على تنمية مهارات جديدة وبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية.
وبالرغم من كون تمكين الشباب خيارًا إيجابيًا، إلا أنه يعتبر ضرورة في سياقات معينة، ففي بعض الدول ومنها موريتانيا، يمكن أن يؤدي عدم تمكين الشباب إلى تفشي العديد من المشكلات مثل: البطالة، والتهميش الاجتماعي، والأشكال المختلفة من العنف، ومع تزايد ظاهرة الهجرة، يتضح أن الشباب الذي يشعر بعدم الانتماء أو كافئ الفرص تنقصه القدرة على مواجهة تحديات الحياة.
وتتجلى ضرورة تمكين الشباب في الأبعاد الاقتصادية، حيث إن العناية بالشباب وتمكينهم يمكن أن يُسهم بشكل فعال في النمو الاقتصادي المستدام، فالشباب المتمكّن يمكنهم أن يصبحوا قوة دافعة نحو الابتكار والنمو، مما يُساعد الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية.
ولتفعيل دور الشباب كرافعة استراتيجية للتنمية، يجب أن تتبنى الجهات الوصية سياسات شاملة ومتكاملة. ومن بين هذه السياسات:
– تعليم متطور وشامل: ينبغي تعزيز نظم التعليم بحيث تركز على تطوير المهارات العملية والابتكارية التي يحتاجها الشباب في سوق العمل،
– دعم ريادة الأعمال: يجب تشجيع الشباب على تأسيس مشاريعهم الخاصة من خلال توفير التمويل، والتوجيه، والدعم الفني،
– توفير المنصات المجتمعية: ينبغي إنشاء منصات تسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم، مما يعزز من حس الانتماء والمشاركة المدنية،
– تمكين الفئات المهمشة: يجب أن تستهدف استراتيجيات التمكين الفئات الأكثر تهميشاً، مثل الفتيات والشباب من المجتمعات الريفية، لضمان شمولية التنمية.
وأخيرا، فإن تمكين الشباب ليس مجرد خيار تتبناه الحكومة في لحظة ما؛ بل هو ضرورة ملحة لضمان التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي. لذا، يُعتبر تمكين الشباب رافعة أساسية نحو التنمية المستدامة، ومن الضروري أن تتضافر جهود الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للمساهمة في إحداث التغيير الإيجابي من خلال تعزيز المهارات، وتوفير الفرص، وتيسير مشاركة الشباب في الحياة العامة، لضمان مستقبل أفضل يتسم بالنمو والازدهار والاستدامة لجميع أفراد المجتمع.