عوائق ومقترحات حول دور الخزينة العامة في تنفيذ سياسة الحكومة / محمد سالم محمد بلاه
دونَ مبالغة أو إطنابٍ؛
شكّلت الإدارة العمومية – على مدار تاريخ الدولة الحديثة – رافعةً أساسية، ودعامة قوية للسياسات الحكومية، ذلك أنه منذ أن حملت هذه الدّولة على عاتقها مسؤولية التدخل في مختلف أبعاد وتحديات الشأن العام، ظلّت الجهاز الأساسي الذي تترجم عبره مقارباتها التنموية واستراتيجياتها الوطنية في مختلف الحقول والميادين، ولقد تعزّزت مكانة هذه الإدارة في سُلّم الأدوات الحكومية مع تفاقم التحديّات الدولية وتزايد المطالب الوطنية التي أفرزتها -ومازالت تُفرزها- تعقيدات الحياة العامة، فظلّت -على مدار التاريخ الحديث- المحرّك الأساسي ونقطة ارتكازِ كل النجاحات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تحققها الدول عبر حكوماتها المتعاقبة.
ولئن كانت هذه البنية المؤسسية هي أداة تجسيد طموحات الدول، ودعامتها الأساسية في إطار تدخّلها المتزايد في مختلفِ أبعاد الحياة العمومية، فقد ظلّت في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، مرتكزة في رؤيتها العملية وتسيير مواردها البشرية ووسائلها اللوجستية على موجهين أساسيين؛ الأول البرامج الرئاسية، والثاني السياسات الحكومية.
وهو ما يتمثّلُ اليومَ في سياقنا الوطني، في “طُموحِ” برنامج رئيس الجمهورية الحائز على ثقة الشعب، و “تطلُّعات” برنامج الوزير الأول المُتوّجة بثقة البرلمان.
ولئن كانت فاعلية الإدارة كجهاز تنفيذي، ومن ثمّ مردودية الإداري ككادر بشري قائمة عليه، تتوقف على الوعيِ بمسار تشكُّلِ الموجّهات الكُبرى للعمل الإداري المُعلنة في الخطابات الرئاسية، والمنفّذة في البرامج الحكومية، فقد تابعتُ -كأي مهتم بالشأن العامِ تؤطره مشاعر المسؤولية أمام الواجب الوطني- مسار تشكّل هذا الإطار المرجعي الموجّه لعمل إداراتنا العمومية في سياقنا الرّاهن، حيث طالعت -باهتمام بالغ- آخر محطّات هذا الإطار التوجيهي التي تمثّلت في برنامج الوزير الأول الذي استُعرِضَ أمام البرلمان مساء الأربعاء الموافق 04/09/2024، وقد استوقفتني في توجّهه الكُلّيِ أربع سماتٍ جديرة بالتوقف :
الأولى: أنه أعاد الأملَ في البرامج الحكومية بدقّة تشخيصه وقوّة مقاربته، ونجح بسقف تطلّعاته العالي في وضعِ كل قطاعات الدولة على محِك الجدّية والإنجاز، وأعاد الاعتبار لمركزية الوزير الأول في تنفيذ السياسة العامة للدولة كمنسق ومدبّر العمل الحكومي.
الثانية: واقعية الطموح في تطلُّعات أهدافه وتعهداته؛
الثالثة: دلالات الأطر الزمنية المرسومة للإنجاز؛
الرابعة: إدراج مفهوم التنمية التشاركية (Développement participatif) في السياسة الحكومية لأول مرة.
تتجلى السمة الأولى في أنّه لأول مرة، رغم كل العراقيل المجتمعية والسياسية والإدارية تُحصر الحكومة شفاعتها أمام البرمان والرأي العام في العمل ولا شيء غير العمل، واضعة بذلك كل مواردها المادية والبشرية على محك الإنجاز، وتتجسد السمة الثانية في قابلية تطلُّعات البرنامج للتجسيد بالنّظر إلى جاهزية الأرضية ومستوى استدامة المالية العامة (Viabilité des finances publique) التي تُشكُّل التحدي الأكبر، وهو القدرة المالية للدولة على تغطية الأعباء. وهذه السمة تنسجم مع مقاربة “ذكاء الأهداف” (Smart objectif) القائمة على مؤشرات خمسة أساسية، وهي أن تكون محددة (Spécifique)، وقابلة للقياس (Mesurable)، وقابلة للتحقّق (Atteignable)، وواقعية (Réaliste)، ولها إطار زمني محدّد (Temporel).
ذلك فيما يتعلّق بالسمة الأولى والثانية، أما السمة الثالثة، فقد تجلّت في رفع التّحدي، حيث تراوحت آجال عدد معتبر من تعهدات وأهداف البرنامج الحكومي ما بين الأسابيع والأشهر والسنة، ما يجعل مستوى تقدّمها مؤشرا دقيقاً لتقييم أداء الحكومة خلال المائة يوم الأولى، وفي تقريرها السنوي الذي سيستعرضه الوزير الأول أمام البرلمان في دورة نوفمبر القادم. وهذا في ميزان الموضوعية وأدبيات الحكامة، يؤشر مبدئياً إلى جدية السياسات الحكومية.
أما السمة الرابعة، فتتجسّد في نبرة الانفتاح وتأكيد الدعوى المتكرر لمساهمة الجميع، وهو ما يعكس بوضوحٍ عمق الوعي بروح الفريق، وضرورة الانفتاح على مختلف الجهود في تحقيق التطلُّعات الوطنية والمصالح العامة، وهو ما أتوقع أنه سيُشكّل -بالإضافة إلى الحوار السياسي والمنصة الالكترونية للإبلاغ عن الاختلالات- حافزا قوياً لدى مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين للإسهامِ في تحقيق الطموحات المشتركة نحو الوطن والمواطن، وعلى رأسها محاربة الفساد، وإرساء دولة المؤسسات.
ووعياً بحجم التحدي، وإسهاماً في رفع مستوى كفاءة الإدارة وفاعليتها في مواكبة التطلعات الحكومية الجديدة، واستجابة للدعوة الواعية بأهمية الفكرة العالِمة والمسعى الرّشيد، تراءى لي، أن أشارك -من زاوية الاختصاص والاهتمام والحقل المهني- بالأفكار والملاحظات المنبثقة عن التساؤلين التاليين :
من جهة، بأي دور يمكن أن تساهم الخزينة العامة للدولة في السياسة الحكومية الجديدة؟ ومن جهة أخرى، بأي خزينة عامة للدولة يُمكن أن يُساهَم في السياسة الحكومية الجديدة؟
بادئ ذي بدء، لا يحتاجُ المُطّلعُ على وظائف أجهزة الدولة كبير عناء لإدراكِ وفهم محورية دورِ الخزينة العامة في الحياة العمومية بكل أبعادها المختلفة وحقولها المتشعّبة، ذلك أنّها تُمثل الدولة في مظهرها المالي، ومدخلها الأساسي إلى كل الإصلاحات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، حيث تضطّلع بأدوارٍ تُشكّل عمادَ الحكامة ورافعة التنمية.
فهي فضلا -عن دورها المركزي في السياسات النقدية وتوفير مقوّمات القرار المالي والاقتصادي الرشيد-تضطلع -على سبيل المثال والتذكير لا الحصر والاستعراض-بالمهام الجسيمة التالية:
تنفيذ ميزانية الدولة من حيث الإيرادات والنفقات ومركزة الحسابات:
Exécution du budget de l’État en ce qui concerne les recettes et les dépenses et centralisation des comptes.
وهو ما يعني على الصّعيد العملي تدخلُها في كل العمليات الميزانوية للدولة ومؤسساتها العمومية، ومن ثمّ، الاضطلاع عبر هذا التدخل بما يلي:
تمارس دورا وقائياً لا يستهان به في مكافحة الفساد، عبر الرقابة على انتظامية الميزانية (Régularité budgétaire) بواسطة شبكة محاسبيها التي تُغطي جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية على عموم التراب الوطني وفي الخارج؛
باعتبارها المسؤولة على الصعيد الشخصي والمالي عن تنفيذ الميزانية تعتبر الحاملة لثقل المخاطر وجودة المحاسبة، وبهذا تكون شريكة في التسيير العمومي بمختلف مستوياته ودعامة أساسية لإرساء الحكامة الرشيدة.
البحث عن وسائل السيولة وتسييرها:
Recherche et gestion des liquidités
وهو ما يعكس دورها المحوري في توفير الضمانات المالية لتغطية النّفقات، التي تمثل أهم أدوات السياسة المالية العاكسة لتدخل الدولة وطموحها تجاه مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وذلك عبر إدارة السيولة على نحوٍ يُراعي توازن الإيرادات والنّفقات، وتوفير التمويل على نحوٍ مُتجاوب مع الاحتياجات المالية.
إعداد قواعد المحاسبة العمومية:
Préparation des normes de comptabilité
publique.
وتتمثل هذه المهمة في تأثيث الحقل المحاسبي العمومي بمنظومة قوانين ومعايير قادرة على تعزيز جودة المناخ الاقتصادي والمالي وحكامة التسيير. وهو درورٌ تصوريٌ من خلاله تُشرّع الرُّؤية الاصلاحية في حقل المحاسبة وتنفيذ الميزانية، وتوضع قواعده التنظيمية وتفصيلاته التطبيقية.
هذا بالإضافة إلى أدوارها المختلفة الأخرى، كالخدمات البنكية التي تقدمها للمؤسسات العمومية، ومنشوراتها الدورية للتقارير والقوائم المالية التي تمثّل غذاء القرار المالي الرشيد وميثاق الثقة والتعاون مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والشركاء الدوليين.
ولئن كان ترسيخ دولة المؤسسات، وتعزيز البنية الاقتصادية، وإرساء قيّم الحكامة، في حصيلتهما الكلية مجرد تحول في أنماط وأساليب التدبير العمومي في مختلف أوجهه، من سالب منعدم المردوية إلى موجب مضمون الفاعلية، فإنّه من منطلق اطلاعي كباحث مهتم بالحكامة الرشيدة وإداري معايش لواقع الإدارة، أتصوّر أن المظاهر التالية ستظل عائقا دون ارتقاءِ أداء الخزينة العامة للدولة إلى مستوى الرؤية الحكومية وطموحاتها الإصلاحية المُعلنِ عنها في برنامج معالي الوزير الأول :
غياب رؤية تسييرية واضحة المعالم جادة في تحفير الدافع وروح المبادرة، واعية بأهمية تحسين ظروف العمل وتعزيز الإنتاجية، مدركة لمتطلّبات الإدارة بالنتائج ومقوّمات الأداء؛
تفاقم ظاهرة النزوج إلى المراكز المحاسبية، والمصالح الجهوية نتيجة ضعف الشعور بقيمة العمل الناتج عن غياب الحافز في الإدارة المركزية؛
ضعف الأداء المتمثل في مستوى المنجز من المهام المحددة في الهيكلة (L’organigramme) والموت السريري لبعض الإدارات نتيجة إسناد المسؤولية دون مراعاة الكفاءة وغياب استيراتجية تسيير كاشفة بوضوح رؤيتها لمواطن الضعف، ضاغطة بقوّة إرادتها الإصلاحية على أوجه الخلل والتقصير؛
ضعف الاستفادة من الطاقات الشّابة المؤهلة والمرتبطة بمشروع الدولة حاضرا ومستقبلا نظرا للرتابة وغياب الحافز وفوضوية التوجيه بدل التوجّه الجديد الذي يتأسس على الديناميكية ويضعَ تهيئة ظروفِ العمل لإشراكهم واحتواءَ كفاءاتهم والاستفادة الأقصى من طاقاتهم، في مستهلّ الأولويّات، واسمَاً المأموريةَ بهم ولأجلهم؛
غياب ثقافة التطوير والتبادل حول فعالية ونجاعة الأداء، ومناقشة عوائق وتحديات العمل وظروفه بدافع التطوير والتحسين واتخاذ القرارات اللازمة على ضوء ذلك؛
غياب ثقافة التسويق للإسهام في استئصال التشويش المغذي للفجوة بين الإدارة والمواطن، واستقطاب رضا الانطباع العام عن الأداء الإداري ومن ثمّ العمل الحكومي الذي هو هدف تقريب الإدارة وروح التّوجه الجديد.
تضخم أعداد المناصب القيادية (71 بين مدير وذو رتبة مدير، أي نسبة 12% من مجموع الأشخاص، ما يمثل ثلاثة أضعاف مجموع عدد المديرين في إدارتي الميزانية والضرائب الذي لا يتجاوز 22 مديرا) وكذا تزايد أعداد المرسمين حديثاً (خريجو المدرسة الوطنية للإدارة) دون مراعاة ذلك في المخصصات المالية وإدارة الحاجة، مما أضعف قدرة الإدارة على تحفيز المردودية، وأدى إلى إهدار الطاقات الشّابة دون الاستفادة من مؤهلاتها التي كانت بالأمس القريب عبئا ماليا وتربوياً على الدولة في سبيل أن تكون رافعة للإدارة بدلَ عبئا عليها.
غياب ثقافة التكوين وتشجيع التطور والابتكار وروح المبادرة؛
إنّ أهم مميزات الحكامة الرشيدة هو الوعي بحجم الطموحِ واستشعار ثقل المسؤوليات، وأدل دلائل ذلك عدم إهمال أي عامل قد يُشكّل عائقاً أو يحدّ من فاعلية وديناميكية الأداء مهما كان، وتتعزّز ضرورة تلك اليقظة حين يرتبط العائق بأبعاد وجوانب تّشكّل مرتكزات الحكامة ودعائمها الأساسية.
ولأنّ السياقَ الذي رسمته تطلُّعات البرنامج الحكومي سياق بدائل ورؤى لا مآخذٍ وملاحظاتٍ، ومن منطلق الرؤية التحليلية للحكومة وتطلّعاتها الجديدة، فإنّه يتراءى لي، انطلاقاً من معايشتي للواقع ورؤيتي لمتطلّبات الفاعلية، أن المسائل التالية تُشكّلُ لوازم مستعجلة:
مراعاة الاختلالات البنيوية المتعلقة بهيكل الإدارة وتوزيع وطبيعة مهامها وتركيبة إداراتها وأسلوب تسييرها على ضوء متطلبات الكفاءة الهيكلية، وضرورة إخضاع المراكز والمصالح والإدارات لمبدا الحاجة ومتطلّبات الأداء في الهيكل التنظيمي الجديد؛
تحكيم قيّم ومعايير الاستحقاق في إدارة الموارد سبيلا إلى التحول في نمط تسيير المصادر البشرية والوسائل -ترقية وتحفيزاً وتجهيزا- من إدارة المعارف والعلاقات إلى إدارة الأداء والحاجة، وفي خطط العمل -تنفيذا ومتابعة وتنبُّؤا- من إدارة الركود والثبات إلى إدارة المبادرة وروح الابتكار.
التقييم الدوري للأداء الإداري على ضوء المهام والمسؤوليات المنصوصة في المرسوم المحدد للصلاحيات والمهام (L’organigramme)؛
إشراك الشباب وتحفيز ثقافة اثبات الذّات التي توجّه الكفاءات الشابة وإشراكها في صناعة القرار، والحد من تمكين ثقافة الركود التي تنتج عن اعتياد المناصب الباعث على فتور نَفس الأداء وموت الحيوية وروح الابتكار؛
تمكين الحس الإداري الواعي بحجم مسؤوليات الإدارة في أفق تطلّعات السياسة الحكومية، والتي لم تعد تقتصر على العمل التقني الروتيني فحسب، وإنّما إلى ذلك الإسهام في إيجابية الإنطباع العام وتحسين العلاقة بين الدولة والمواطن عبر جودة وتقريب وتوجيه الخدمة، والتسويق الموضوعي الفعال عبر التواصل الواعي برسالته مع مختلف منابع تشكُّل الانطباع العام حول الدولة والحكومة ومؤسساتها العمومية (الإعلام، والمجتمع المدني..الخ).
احترام وصيانة هيبة الدولة وسيادتها في المظهر الخارجي للإدارة العمومية الذي يعكس وجه السيادة، وذلك عبر للشفافية في الاستغلال الأمثل للأرصدة المالية المخصصة لصيانة البنايات، ووضع حد لفوضى الولوج إلى مبنى الإدارة دون المساس بواجب الاستقبال والانفتاح على المراجعين؛
ضرورة الجدية في مخططات العمل (Les blans d’action) وتفعيل الرقابة على التنفيذ؛
الإسراع في إعداد الحصيلة المحاسبية الافتتاحية (Bilan d’ouverture)؛
تفعيل إدارة ومحاسبة الممتلكات (Comptabilité des matières) التي تمثّل أساس المحاسبة العامة للدولة ودعامة محاربة الفساد؛
تحديث مدونة الوثائق التبريرية (Nomenclature pièces justificatives)؛
تنقية الحسابات (Assainissement des comptes) ومطابقتها للواقع المحاسبي وتفعيل الشراكة في هذا الصدد مع محكمة الحسابات؛
تفعيل “التدقيق” وتعزيز الرقابة الداخلية؛
سد الفراغ التشريعي الحاصل في مساطر وإجراءات تحصيل الإيرادات غير الضريبية؛
ضرورة التجاوب مع اشكالات وتعقيدات العمل العالقة عبر المذكرات التوضيحية والإرشادات. فالإدارة إنتاجية وإنتاج؛
إتمام الإطار القانوني التنظيمي المؤطر للإصلاحات المالية (النصوص التنظيمية المطبقة للقانون النظامي المتعلق بقوانين المالية، والمرسوم المتضمن النظام العام لتسيير الميزانية والمحاسبة العمومية)؛
تحديث النصوص التي لم تعد تتماشى مع ميزانية البرامج (Budget programme) والإدارة بالنتائج (Gestion axée sur le résultat)؛
وضع حد لظاهرة التضخم التشريعي (L’inflation législative) في المنظومة القانونية المالية وتداخل نصوصها (يحتاج هذا الموضوع عناية خاصة)؛
إنشاء قاعدة بيانات موثوقة تشكل دعامة للقرار الإداري المالي وتعزيزا لثقة الشركاء الدوليين عبر تطوير جودة التقارير والقوائم المالية وإعداد الدراسات الإحصائية واحترام الآجال القانونية المحددة للنشر.
فيما يتعلّق بتسيير المصادر البشرية، من الملحّ جدا:
خلق بيئة عمل إيجابية محفّزة على الشعور بقيمة العمل وباعثة على روح المبادرة وانخراط وتيرة الأداء في أهداف وطموحات السياسة الحكومية.
التدقيق الجاد في أعداد العاملين الفعليين في الإدارة حسب الأسلاك والتخصصات والمسؤوليات، وتنقيتها من الوهميين سواءً من حيث الصلة أو المردودية؛
ضرورة إجراء تغييرات واسعة في المراكز لوضع حد لحالة الركود وفقدان الديناميكية وروح الابتكار الناتج عن اعتياد المسؤوليات والمهام؛
إعادة الاعتبار وإعطاء الأولوية في إسناد المهام والتحفيز والترقية لأطر الإدارة المرتبطين بمشروع الدولة حاضرا ومستقبلا؛
تعزيز كفاءة وإنتاجية الأداء عبر تحفيز المردودية، والترقية، والتكوين، والشفافية في مساطر وإجراءات ذلك؛
مواءمة مُدخلات الاكتتاب لمخرجات التعاقد وإملاءات الحاجة.
في الختام، لابد أن نُدرِكَ في خضم هذا التحوّل الجديد، أن مقتضى “الطموحات” الرئاسية، ومستوى “التطلُّعات” الحكومية، قد رفعَا سقف المُؤَمَل وزادا حجم التحدي، وهو أمرٌ يجعل التفريط في أي من الإمكانات المتاحة مهما كان حجمه أو مستواهُ، اخلال بالتوجّه وتقصيرٌ في المسؤولية التضامنية إزاءَ الوطن والمواطن. ذلك أنّ التحديات كبيرة والإمكانات محدودة.
وانطلاقاً من ذلك وتأسيسا عليه، ضروري جدا، وعلى نحوٍ استعجالي وصارم، إعادة النّظر في مناخ وظروف ونمط التدبير، وكذا الأسلوب الرّاهن في تسيير الموارد. ذلك أن الإدارة التي تفتقر للرؤية الراشدة والتسيير العادل، لابد أن تخفق في توفير مناخ عمل مُحفّر لكادرها البشري الذي كرّس نفسه لخدمتها، ومن ثمّ، يستحيلُ أن تقُرّب الخدمة للمواطن أحرى أن يكون ذلك وفق المستوى العالي الذي رسمته “طموحات” رئيس الجمهورية و”تطلُّعات” الوزير الأول.
تلك جملة من العوائق مع مقترحات حلولها أقدّمها -بكل أمانة وموضوعية- وعياً بحجم التحدي، وإسهاماً في ما التمست من جدية في التطلّعات الحكومية من منطلق واجبي الوطني، ومن زاوية خبرتي ومسؤوليتي الوظيفية التي تتمثّل تحديدا في التصور (La conception) تشخيصاً للعوائقِ واقتراحاً للحلول.