خطابُ الوزير الأول، الأصداءُ والرهاناتْ / أمم ولد عبد الله

يُعد الوزير الأول الحالي واحداً من أكثر الوزراء حضوراً وديناميكية وإثارة للجدل، منذ استقلال موريتانيا إلى اليوم، فقد وصفه الخبير الاقتصادي اشبيه ماء العنين بأنه “يمتلك مهارات  وكاريزما لمْ تُعهَد في من سبقه من الوزراء لهذا المنصب”، هذه الكاريزما ألقت بظلالها على خطاب الرجل الأخير أمام الجمعية الوطنية، فالمهتمون باللغة وصفوا خطابه بأنه لم يخل من التكرار ومن الأساليب التي تميل إلى الركاكة في صياغتها بحسبهم،رغم أن الأداء كان ممتازا من حيث النبرةُ ومخارج الحروف.
أما المختصون في لغة الجسد فقد لاحظوا أن معالي الوزير بذل جهداً مضنياً انعكس من خلال استخدامه لمناديل تنشيف العرق مرات عديدة، وتكرار جمل بعينها بنبرة أظهرت تعبا في قسمات وجهه، بدا واضحا عبر اللجوء لشرب الماء في أحايين كثيرة، مع حفاظه على البقاء بصورة توحي بأنه كان جاداً ومُقتنعاً بما يقول ، بمعنى أنه لم يصل لمرحلة التناقض بين القول والحركة، على الأقل في هذا الخطاب الذي استغرق وقتاً طويلا.
لا يبدو أن رجل الشارع يولي أهمية لهذه الحيثيات الدقيقة، فقد تركت أصداء الخطاب  انقساماً حاداً لديه  نلمسه جليا في المقاهي وفي سيارات الأجرة وفي الأسواق والأماكن العامة، فهناك من يرى أن الأمر لا يعدو كونه مسرحية سيئة الإخراج يُعاد تكرارها بالسيناريو ذاته منذ أكثر من أربعين عاماً، معللين كلامهم بمقاطع متداولة للوزير الأول يصعب محوها من الذاكرة الجمعية خاصة في الأوساط الشعبية التي تعاني من الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء.
بينما يرى آخرون “كُثر” أن ولد انجاي كان جادا وعمليا في كل الحقائب التي شغلها، فقد ترك لمسات خاصة تعكس إرادته في الإصلاح بحسبهم، ولعل أصدق مثال على ذلك ما شهدته شركة(Snim) في ظرف وجيز، فالحديث هنا عن طفرة في الإنتاج وعن تحسين نوعي لوضعية عمال الشركة؛ رغم أن هناك عينات لا تخلو من تحامل غير مبرر على شخصية اعتبارية بهذا الحجم، لذلك اعتبر الخوض فيها خارجا عن أبجديات التحليل التي يتطلبها موضوع كهذا.
إن الحديث عن الشق الثاني من العنوان والمتعلق بالرهانات يستمد مصداقيته من أمور مختلفة سنحاول التوقف عند كل واحد منها تباعا، ومن أهمها التزامات رئيس الجمهورية المتعلقة بالحرب الفساد، وهنا لابد من التأكيد على أن الأمر يتعلق بخطوات بالغة الصعوبة تجلت في نشر تقارير محكمة الحسابات، وتمكين منظمة الشفافية من الوصول لمعلومات مهمة تتعلق بالفساد، فلو لم تكن هناك إرادة جادة لما سُمح لوسائل الإعلام بتناول موضوع على هذه الدرجة من الحساسية.
صحيح أن السمة السائدة لدى الموريتانيين هي التشكيك في كل ماله علاقة بالسلطة، وهو الأمر الذي شكل عائقا أمام كل الإصلاحات الجادة، وهذا مانبه له الوزير الأول في حديثه عن عقليات المجتمع التي تساهم بدورها في تكريس واقع كان من المفروض أن تكون إحدى أهم الدعامات في إزالته، أما البعد الثاني في هذا الرهان فيتمثل  في حيوية من أُسندت له رئاسة الحكومة، خصوصا وأنه يدرك جيدا أن لديه فرصة تاريخية الإثبات قدرات قد تدخله سجل الشخصيات التاريخية ، إذا استطاع التخلص من الرهانات الضيقة التي تركز على منح الامتيازات للحاضنة الاجتماعية، وكرس جهوده لجعل كل الموريتانيين متساوين في الفرص، فذلك هو طوق النجاة للخروج من هذه الخمسية التي تعتبر فترة زمنية قصيرة في عمر الدول.
تشكل محدودية الفترة الزمنية إحدى  أهم هذه الرهانات على اعتبار أن الرئيس ووزيره الأول يسعيان لتجنب تكرار سيناريو العشرية، الذي أثبت أن صلاحية الولاء مربوطة بالكرسي،  ولا يمكنني تصور الأخطاء ذاتها ممن يملكون تجارب بهذا الحجم، فالرهان يكمن في تبني نهج صارم وسريع لمحاربة الفساد والعمل على إنجاز أكبر قدر من المشاريع الحيوية، وإلا سنكون أمام تكرار المنهج ذاته القائم على منح الأولوية لسلالم الصعود إلى الهاوية، وذلك نهج مخالف بطبعه لمعايير دخول التاريخ من أبوابه الواسعة…

زر الذهاب إلى الأعلى