حكومة الوزير الأول في المأمورية الثانية عناق أم خناق بين جيلين؟
المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي وردود الأفعال فيه حول الحكومة الجديدة يدرك تباينا جليا بشأنها، فمن متشائم لدرجة وصفها بأنها “حكومة مرتبكة”.. “حكومة غير منسجمة”، أما أمثالي فلهم نظرة إيجابية حيث توصف في أوساطهم بأنها حكومة كفاءات، لأنها تتكون من جيلين: جيل شبابي حيوي وجيل من الكبار له تجربة متراكمة عبر الزمن، هذا فضلا عن وزير أول مخضرم يفهم الجيلين، ويمكن أن يعمل إذا تُرك ولم تخلق له مطبات في الطريق.
وهذه ملاحظات سريعة من مهتم بالشأن السياسي، عاصر تجربة مماثلة في ماليزيا، أردت مشاركتها معكم للمساهمة في تنمية البلد ونهضته، وترشيد المسار بوضوح وجلاء بعيدا عن الإشارات والمجاملات، لأنه كفى تضييعا للوقت والجهد.
١- أقول للوزير الأول نتوقع أن تعمل على كسب ثقة الجيلين في حكومتكم الموقرة بإنزال كل واحد منهم المنزلة اللائقة به بدون مجاملة في العمل، كما نتوقع أن تكون رئيسا للكل بعيدا عن الجهة والقبيلة والمبادرة وغير ذلك من دوائر الضغط لتنفيذ برنامج فخامة الرئيس الذي من أولوياته محاربة الفساد وترسيخ المواطنة ونشر العدالة والعناية بالفئات الهشة ومواصلة التهدئة وإقامة علاقات خارجية متوازنة بعيدة عن صراع المحاور…
٢- أقول للوزراء الكبار أصحاب التجربة الطويلة في الحكومات السابقة: نقدر جهودكم ونتمنى لكم التوفيق، ونأمل من كل واحد منكم أن يقيم عمله بنفسه في المأمورية الماضية، ويضع خطة للمأمورية الجديدة لتكون أكثر إنتاجية وحيوية، وذلك بالتأكيد على الانضباط والحضور في الوقت وتقييم الأداء وترشيد النفقات، والتكريم السنوي للمتميزين في العمل. إنه آن الأوان أن تتركوا بصمة في وزاراتكم وستكتب بماء الذهب ويرويها جيل عن جيل ولتحقيق ذلك يلزم أن تعملوا مع الوزير الأول بروح الفريق المتعاون المتناغم رغم إدراكي لفارق السن وفارق التجربة، لكن استحضروا قصة الصحابي الشاب أسامة الذي اختاره محمد صلى الله عليه وسلم على رأس سرية فيها كبار الصحابة، مثل: أبي بكر وعمر، فقالوا: سمعنا وأطعنا. إنه الانضباط المهني بكل معانيه – وهو كما تعلمون – مصدر للنجاح والتميز.
ما أريد أن أصل إليه أن مخزونكم من التجارب والخبرات يحتاجه البلد وتحتاجه الحكومة الجديدة، وتواضعكم وعملكم مع الوزير الأول لا يزيدكم إلا رفعة وذكرا.
إننا أمام مفترق طرق؛ إما أن نعمل بروح الفريق الواحد فننجح جميعا ونعطي مثالا حيا على القدرة على العمل المشترك في عناق وانسجام، وإما لا قدر الله نركن إلى المرجفين في المدينة فنعطل عجلة التنمية والإنتاج ونخسر جميعا، وبذلك نكون قد ضيعنا الأمانة، فالمسؤولية تكليف لا تشريف.
٣- أقول للوزراء الشباب أنتم إضافة نوعية لحكومة المأمورية الثانية لما تتمتعون به من حيوية وفهم واستيعاب للملفات، لكن تذكروا أن هناك مجموعة من الشباب دخلوا قبلكم في قطاعات وزارية سابقة لم يستطيعوا أداء عملهم لأسباب منها: احتواء القبيلة لهم وإقناعهم أنهن معينون لها، لذا يلزم الحذر من هذا النوع من المرجفين وهم كثر في الصالونات في زماننا، والجدير بالذكر أن احتواء الجهة أو الشريحة أو الحزب لا يقل خطورة عن احتواء القبيلة، فلنبتعد عن تأثير تلك الدوائر كلها ولنركز على القرب من المواطن ومتابعة الفريق بمهنية و تطوير النفس في مجال الاختصاص ومتابعة مستجداته.
وهنا أحيي الوزراء الشباب الذين لم يفتحوا الباب واسعا للتهنئة واستقبال هدايا الإبل. فتلك بادرة جديدة تستحق التنويه، ونتمنى أن تتطور إلى درجة منع المسؤول من فتح منزله على مصراعيه للمهنئين ومقدمي الهدايا وغيرها لأن ذلك يتنافى مع الطابع المهني والذوق السليم.
٤- أذكر الكل هنا أن الرئيس يريد مأمورية جديدة قوامها الأمن والعدل ولا مجال فيها لتضييع الوقت والجهد والمال ولنأخذ الدروس والعبر من محيطنا الإقليمي المضطرب في غرب إفريقيا ومن فضاء العالم الإسلامي (أحداث بنغلاديش نموذجا).
إن الإصلاح أضحى مطلبا ملحا وضرورة اجتماعية، واستباق الأحداث أمر مطلوب وعلامة على الفطنة وقراءة موفقة للمستقبل.
وخلاصة القول: إن الطريق طويل وشاق ويتطلب تكامل الجهود وكل على ثغرة فلا يؤتين من قبله لتحقيق البرنامج الطموح لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فهل سيعطي أعضاء الحكومة الجديدة مثالا للعمل بروح الفريق ليتحول الخناق الذى تمناه البعض إلى عناق يحقق دولة المواطنة التي يرى الكل ذاته فيها في حرية وأمان ورفاهية؟!