أمطار نواكشوط / بابه ولد يعقوب ولد أربيه

في تلك الساعة التي يستيقظ فيها النساك  لقيام ليلهم ويصل فيها الفجار إلى ذروة مجونهم كانت شوارع وأزقة نواكشوط تحتفي بالوافد الجديد .
بالطبع لم يكن مطر العاصمة كمطر عيني محبوبة الشاعر الأموي الذي يزعم بعض الرواة أنه الخليفة يزيد بن معاوية تلك العينان اللتان قال عنهما شاعرهما :
وأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت ::
وردًا وعضّت على العُنّاب بالبرَد .
ولم يكن مطر نواكشوط كذلك مثل مطر ” الخط ” أيام ول أحمد يوره  :
من لم ير الخط ممطورا وساكنه :: فإنه ما رأى الدنيا ولا الناسا.
مشكلتنا ليست مع أمطار نواكشوط فهي أمطار خير وبركة إن شاء الله  ولكن مشكلتنا مع تصريفها  ، ذلك الفعل الذي لحنت كل الأنظمة السابقة في تصريفه رغم عدة محاولات بعضها أقرب إلى التهريج .
تحكي الطرفة البوتلميتية أن غسالا للثياب أراد أن يرقص في مناسبة اجتماعية وسط الأحواش فنصحه شيخ في الملأ بأن يجلس إذا كان رقصه مثل غسيله للثياب .
أتذكر دائما هذه الواقعة كلما رأيت مسؤولي وزارة المياه يرتدون ملابس ” رياضية ” لا تتناسب مع سنهم ولا مع لياقتهم البدنية وهم يتصدون في مشهد كرنفالي لمياه المطر .
طبعا النصيحة في الملأ خديعة ولكني سأستعير من الشيخ البوتلميتي جوهر نصيحته وأقول لهؤلاء أن يعودوا إلى منازلهم  إذا كانت قدراتهم في مجال تصريف المياه مثل ذوقهم في الملابس الرياضية ، هذه مجرد مزحة بدوية ولكن لدي نصيحة أخرى ربما تكون أكثر جدية وشفقة على هؤلاء الموظفيين لكنها موجهة إلى الدولة الموريتانية وهي أن توكل مهام تصريف مياه الأمطار  في الخريف إلى الحماية المدنية وتترك للوزارة مهمة إنشاء شبكات للصرف الصحي ومحطات لمعالجة المياه العادمة .
الصرف الصحي ليس ترفا فترك المياه العادمة دون معالجتها قد يتسبب في انتشار للأوبئة لا قدر الله  بالاضافة إلى تسببه في اختفاء في التنوع البيلوجي و اختلال التوازن البيئي .
لكن نازلة الصرف الصحي قد تسلك منحى إيجابي في حالة إنشاء محطات لمعالجة المياه العادمة وفي هذه الحالة يمكننا استخدام تقنيات فيزيائية وكيميائية وبيولوجية كي تصبح مياه الصرف الصحي ذات الأصول الأربعة  ( مطرية ، منزلية ، زراعية ،  صناعية )  صالحة للاستخدام  على  مستويات عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
– الاستخدام الصناعي :  مثل  انشطة التنقيب والاستخراج في مجالات النفط والغاز والتعدين .
– الاستخدام في مجال الطاقة : حسب تقرير أممي صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن معالجة مياه الصرف الصحي يمكن أن تكون حلا مناخيا عبر توليد الغاز الحيوي والتدفئة والكهرباء، كما يمكنها إنتاج طاقة تزيد بنحو خمسة أضعاف عن الطاقة المطلوبة لمعالجتها، وهو ما يكفي لتوفير الكهرباء لنحو نصف مليار شخص سنويا.
– الاستخدام البيئي :  يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة  في تحسين المناطق الرطبة الطبيعية وإنشاء أخرى كما يمكن أن تكون حلا طويل الأجل فيما يتعلق بالجداول المائية .
– الاستخدام الزراعي : يمكن استخراج الأسمدة من مياه الصرف الصحي المعالجة بواسطة تقنيات بيولوجية يتم خلالها استخدام البكتيربا الهوائية وغير الهوائية في تفكيك المحتويات العضوية لمياه الصرف الصحي واستخراج النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم مما يساعد في تقليل الاعتماد على الأسمدة الاصطناعية .
– الاستخدام المدني : يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في إطفاء الحرائق وري المنتزهات والملاعب والمساحات الخضراء .
….ولكن قبل بناء وتجهيز محطات معالجة المياه العادمة تجب صيانة شبكات الصرف الصحي المتهالكة وإنشاء شبكات صرف صحي عند كل استصلاح ترابي جديد وفي هذا المضمار أيضا يمكن ربط تراخيص البناء الجديد لأي منزل سكني أو عمارة أو منشأة  بإذن من المكتب الوطني للصرف الصحي بالاضافة إلى أخذ تصريف مياه الأمطار بالحسبان عند أي دراسة لإنشاء طريق حضري جديد .
بناء شبكات صرف صحي بمعاير عالمية وكذلك محطات معالجة المياه العادمة رغم أنه مكلف ليس مستحيلا بل هو أمر ضروري وليس من الصعوبة بمكان الحصول على تمويلات لنوعه من المشارع بالاضافة إلى إمكانية إنجازه عن طريق الشراكة بين القاطعين العام والخاص …..
هذه أنشودتي لمطر نواكشوط الذي انتهى ساعة السحر أنشودة لا بحر لها ولا قافية ، لكنها خواطر جالت بخاطري لما علقت ربع ساعة وسط الزحام بين العدوتين ” ماواء مدريد و كبيتال ” وقد ارتفعت شمس الضحى قيد رمح وبدأ قيظ نواكشوط الروتيني يتبختر بخيلاء على أنغام أبواق السيارات وشتائم السائقين ، أكرمكم الله .

زر الذهاب إلى الأعلى