هذا ما نتوقع في مأمورية الشباب / محمد الأمين الفاضل
بعد أيام قليلة ستبدأ مأمورية رئاسية جديدة، تختلف عن كل المأموريات التي سبقتها، سواء منها المأمورية المنتهية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أو مأموريات الرؤساء السابقين، فالمأمورية القادمة ستكون بإذن الله أول مأمورية للشباب، أي أنها ستكون مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب.
فماذا تعني لنا في “منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية” مأمورية الشباب القادمة، وماذا نتوقع أن يتحقق فيها لصالح الشباب الموريتاني؟
إن من قرأ بعمق البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية (طموحي للوطن)، واستمع بشكل جيد لخطاباته في الحملة، ستتولد لديه قناعة تامة بأن مأمورية الشباب القادمة ستتميز بمَلْمَحَيْنِ أساسيين، أولها يتعلق بطبيعة الملفات التي ستُحظى بالأولوية في هذه المأمورية، وثانيهما يتعلق بالواجهة الإدارية والسياسية التي ستتشكل ـ وبتدرج ـ في المأمورية القادمة.
أولا/ عن الملفات ذات الأولوية
إن مأمورية الشباب تعني لنا في “منتدى 24 ـ 29” أولا ومن قبل أي شيء آخر، أن تُحظى كل الملفات ذات الصلة بالشباب بأولوية كبيرة، وخاصة ما يتعلق منها بإصلاح التعليم، وترقية التكوين المهني، ومحاربة البطالة، والحد من انتشار الجريمة وتفشي المخدرات في صفوف القصر والمراهقين، وتطوير البنى التحتية الثقافية والرياضية، ودعم المقاولات الشبابية، وتشجيع المواهب والإبداع والابتكار في صفوف الشباب، دون أن ننسى المحاربة الصارمة للفساد، وذلك نظرا لأن شريحة الشباب هي الأكثر تضررا من تفشي الفساد، ولا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ أن نتحدث عن الاهتمام بالشباب دون أن تكون هناك محاربة جدية للفساد.
إن التركيز على الملفات ذات الصلة بالشباب، ومنحها الأولوية القصوى في العمل الحكومي، يجب أن يكون هو السمة الأبرز في مأمورية الشباب، وثمار ذلك ستصل بكل تأكيد لكل الشباب، ومن بعد ذلك يأتي ـ وفي درجة ثانية ـ ضخ دماء جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام.
ثانيا / عن الواجهة الإدارية والسياسية
من المهم جدا أن تُضخ دماء شبابية جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال المأمورية القادمة، والتي يُراد لها أن تكون مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب، ولا يعني ذلك مجرد الاكتفاء بصورة شكلية من خلال “تشبيب” تلك الواجهة عمريا، دون أن يكون هناك “تشبيب” في الجوهر لأساليب العمل الإداري والسياسي للنظام ليكونا أكثر قدرة على مواجهة التحديات القائمة، والتي لم يعد بالإمكان مواجهتها بنفس الأساليب الإدارية والسياسية القديمة التي أثبتت عدم فعاليتها في مواجهة تلك المشاكل والتحديات.
من المهم جدا أن تُضَخَّ دماء جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال مأمورية الشباب القادمة، ولكن ذلك يجب أن يكون وفق ضوابط صارمة، حتى لا تتحول العملية إلى عملية شكلية، وحتى لا يتم تمييع مأمورية الشباب وإفراغها من محتواها الذي يحلم به الشباب ونحلم به جميعا، ولعل من أبرز تلك الضوابط:
1 ـ أن يكون حاضرا في أذهاننا جميعا أن الهدف من ضخ دماء شبابية جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام، ليس فقط من أجل الوصول إلى صورة شكلية، من خلال الدفع ببعض الشباب إلى واجهة العمل السياسي والإداري، وإنما الهدف منه هو إحداث تغيير جوهري وعميق في أساليب العمل الإداري والسياسي للنظام خلال المأمورية القادمة، فمأمورية الشباب ليست مجرد عملية ميكانيكية يتم بموجبها إبعاد الموظفين أو السياسيين من أصحاب التجربة الذين تجاوزوا مرحلة الشباب، والدفع بالشباب ـ أي شباب ـ إلى الواجهة الإدارية والسياسية.
2 ـ إن الشباب الذين يجب أن يُدفع بهم إلى الواجهة الإدارية أو السياسية للنظام هم أولئك الشباب الذي يمتلكون ما يكفي من مؤهلات ضرورية للقيام بالمهام التي ستوكل إليهم، وأن لا يكون قد عُرِف من بينهم من مارس من قبل الأساليب التقليدية التي نريد القضاء عليها في مأمورية الشباب، ومن هنا فيجب الحذر ـ كل الحذر ـ من الدفع بأي شاب إلى الواجهة يحمل صفة من الصفات التالية:
ا ـ من يتبنى خطابا قبليا أو جهويا أو شرائحيا أو عرقيا، ويجعل بالتالي انتماءه العرقي أو الشرائحي أو القبلي الضيق فوق انتمائه الوطني؛
ب ـ من لا يستطيع أن يتحرر من الأساليب النفعية أو الانتهازية التي طبعت العمل السياسي خلال الفترات الماضية، ولتوضيح الصورة أكثر فسنقدم لكم مثالا من العهد السابق.
لقد حاول الرئيس السابق، وربما تفاديا للربيع العربي، أن يؤسس أحزابا شبابية، تحت شعار “تجديد الطبقة السياسية”، فظهر الحراك الشبابي وملحقاته، ولكن المشكلة أن الشباب الذين قادوا تلك المشاريع السياسية، نقلوا جميع أمراض الطبقة السياسية التقليدية إلى مشاريعهم الحزبية الجديدة، وظهر أن تلك الأحزاب ما هي إلا محاولة لخلق عناوين شبابية ومساحات خلفية تُدار فيها معارك جديدة بين أقطاب الأغلبية التقليدية.
كانت فكرة تأسيس أحزاب شبابية فكرة رائعة، بغض النظر عن الدوافع لها، ولكن إخراج تلك الفكرة، ومسار تنفيذها، كان في منتهى السوء، فكانت الحصيلة أن ظهرت أحزاب شبابية جمعت كل أمراض الأحزاب التقليدية، وأضافت إليها ضعف التجربة والخبرة لدى مؤسسيها، مما نتج عنه في المحصلة النهائية ظهور أحزاب شبابية أكثر شيخوخة في العمل السياسي من الأحزاب التقليدية.
ج ـ هذا عن الواجهة السياسية للنظام، أما بخصوص الواجهة الإدارية فيجب أن يُحمى ضخ دماء جديدة في الإدارة بضوابط ليست أقل صرامة، منها الحذر من أن تتحول عملية تجديد الواجهة الإدارية للنظام إلى عملية توريث بعض المناصب الإدارية لأبناء وأقارب الموظفين السامين في الدولة تحت شعار “تجديد الواجهة الإدارية”، فهذه نقطة يجب الانتباه إليها كثيرا، ولا يعني ذلك حرمان الشباب المنحدرين من أسر لها تاريخ طويل في العمل الإداري من الظهور في أي واجهة جديدة، وإنما يعني أن تكون الكفاءة هي المعيار الأساسي المعتمد في تجديد الواجهة، وذلك بدلا من الوساطة وكل أساليب التحايل الأخرى التي قد يستخدمها البعض للالتفاف على شعار تجديد الواجهة الإدارية.
وكما قلتُ سابقا، فإن مأمورية الشباب لا تعني ـ بأي حال من الأحوال ـ إقصاء غير الشباب من الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال السنوات الخمس القادمة، بل إن الاحتفاظ بغير الشباب من الموظفين من ذوي الخبرة والسيرة المهنية الحسنة في الإدارة، والاحتفاظ بغير الشباب من السياسيين الأكفاء في الواجهة السياسية، هما شرطان أساسيان لنجاح مأمورية الشباب.
إن من يجب التخلص منه في المأمورية القادمة، هم أولئك الموظفين الذين جُرِّبُوا في مهام كثيرة في العهود الماضية، وأثبتوا فشلهم، وأولئك الذين ثبُت فسادهم وبالأدلة القطعية، وبخصوص السياسيين فإن من يجب إبعاده عن الواجهة في مأمورية الشباب هم أولئك السياسيين الذين لم تعد لديهم أي مصداقية لدى المواطن، وأصبحت دعايتهم للنظام تأتي بنتائج سلبية.
3 ـ إن التدرج في تجديد الواجهة الإدارية والسياسية هو أمرٌ مطلوب، بل وضروري جدا، لإنجاح مأمورية الشباب، ولذا فعلينا أن لا نتوقع أن نفتح عيوننا في أول يوم من مأمورية الشباب على حكومة شبابية أو على واجهة إدارية أو سياسية شبابية.
إن المطلوب هو أن تُضَخَّ بعض الدماء الشبابية في الحكومة القادمة، وأن تُضَخَّ ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ دماءً جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية، وأن يظل ضخ الدماء الجديدة في تصاعد مستمر، عاما بعد عام، وحكومة بعد حكومة، إلى أن نصل في نهاية مأمورية الشباب (العام 2029) إلى واجهة سياسية وإدارية يطغى عليها حضور الشباب، وذلك تمهيدا لتمكين الشباب بشكل كلي فيما بعد العام 2029.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
[email protected]