أخطاء لجنة الانتخابات تتحملها المعارضة أولا / محمد الأمين الفاضل

لا يهدف هذا العنوان الذي قد يبدو مثيرا للبعض لاستقطاب القراء، وإنما يهدف إلى تفنيد مغالطة ترسخت لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام، مفادها أن المعارضة هي الضحية دائما لأخطاء لجنة الانتخابات وتقصيرها، وأنها ـ أي المعارضة ـ  لا تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في كل ما قد يشوب عمل لجنة الانتخابات من أخطاء وتقصير.
لنعد قليلا إلى الوراء..
(1)
في وقت لم تكن فيه البلاد تمر بأي أزمة سياسية، وتحديدا في يوم 14 مايو 2020، أصدرت الأحزاب الممثلة في البرلمان بياناَ مشتركا جاء في فقرته الختامية  “تأمل أحزاب الموالاة والمعارضة الممثلة في البرلمان أن تُفضي خطوات التنسيق الحالي إلى الدخول في مرحلة جديدة، تُمهد لنقاش القضايا الجوهرية للبلاد، ووضع تصور لمعالجتها، وفق جدول زمني متفق عليه.”
بطبيعة الحال، وكما هو معلوم، فإن هذا البيان صدر بتوجيه من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي أظهر ومنذ وصوله إلى الحكم حرصا كبيرا على فتح صفحة جديدة مع المعارضة، قائمة على الحوار والتشاور.
بعد صدور هذا البيان قرر حزب تواصل أن ينسحب من منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان، وقد انتقد بشدة ما أسماه بعملية التسلل إلى التشاور من خلال تنسيقية أحزاب تشكلت في الأصل للتصدي لجائحة كورونا.
تقدمت تنسيقية الأحزاب الممثلة في البرلمان ب “خارطة طريق من أجل تشاور شامل بين القوى السياسية”، والمهم، وهذا هو ما يعنينا في هذا المقام، أن الخارطة تضمنت بندا في أعلاها تحت عنوان :  “إصلاح المنظومة الانتخابية”
ويعني ذلك أنه كانت هناك إرادة سياسية قوية لدى رئيس الجمهورية لإصلاح المنظومة الانتخابية من قبل الدخول في أي استحقاقات انتخابية.
(2)
بعد الكثير من التعثر المفتعل، وحرصا من رئيس الجمهورية على إطلاق تشاور مع المعارضة، فقد استقبل الرئيس منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان في يوم 17 أغسطس 2021،  وفي يوم الأربعاء 6 إبريل 2022 كلف الوزير الأمين العام للرئاسة بالإشراف على عمل اللجنة التحضيرية للتشاور، وفي يوم  16 إبريل 2022 انطلقت أشغال اللجنة التحضيرية للتشاور الوطني، وفي يوم 16 مايو 2022 انسحب قطب التناوب الديمقراطي الذي يتشكل من حزب الصواب ومشروع حزب “الرك”، والذي يتمثل في حقيقته في المزاج المتقلب للنائب بيرام الداه اعبيد، من جلسات التشاور، ليتم لاحقا تعليق ذلك التشاور.
(3)
بعد فشل ذلك التشاور والذي كان سيناقش فيه الجميع ملف “إصلاح المنظومة الانتخابية”، ونظرا لاقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية والبلدية والجهوية، وحرصا من رئيس الجمهورية على تنظيم انتخابات في جو توافقي أطلقت وزارة الداخلية تشاورا مع الأحزاب السياسية المعترف بها في يوم 12 يوليو 2022،، وتم الاحتفال بتوقيع نتائجه مساء الاثنين 26 سبتمبر 2022، وقد وقعته كل الأحزاب المعترف بها في موريتانيا باستثناء حزب واحد. هذا الاتفاق تضمن العديد من النقاط المهمة، كان من بينها ـ وهذا هو ما يهمنا هنا ـ  الاتفاق على تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات ، وقد تم تشكيل هذه اللجنة بالتناصف بين الأغلبية والمعارضة.
(4)
أشرفت لجنة الانتخابات بتشكيلتها الجديدة على انتخابات 13 مايو 2023، وهي الانتخابات التي شهدت الكثير من الأخطاء وأوجه التقصير، وقد أصدرت أغلب الأحزاب في المعارضة والأغلبية بيانات تندد بالتزوير الواسع الذي عرفته تلك الانتخابات.
ولذا فقد كان من الضروري جدا أن تنظم الأحزاب السياسية (معارضة وموالاة) حوارا جديدا يتضمن من بين أمور أخرى ملف الانتخابات، وذلك لتجنب تكرار الخروقات العديدة التي شابت انتخابات مايو 2023.
وهنا أيضا، وحرصا من رئيس الجمهورية إلى إطلاق حوار جديد مع المعارضة جاء “الميثاق الجمهوري” بمبادرة من حزبين معارضين، وقد تضمنت خارطة طريق هذا الميثاق العديد من البنود المهمة، كان على رأسها بندٌ جاء فيه بالحرف الواحد : ” القيام، على وجه الاستعجال، بدراسة معمقة لمنظومتنا الانتخابية، وإذا اقتضى الحال الشروع في الإصلاحات المناسبة بما يعزز نظامنا الديمقراطي، بغية تجاوز الوضع المترتب عن الانتخابات الأخيرة، وتفعيل المقتضيات القانونية في مجال الانتخابات، وضمان تفادي أي خلاف انتخابي في المستقبل”.
كان من الواضح أن هناك إرادة حقيقة للاستفادة من تجربة انتخابات مايو 2023، وتصحيح الاختلالات التي عرفتها، وذلك من أجل تنظيم انتخابات رئاسية في ظروف أفضل.
لم تتحمس أحزاب الأغلبية لهذا الميثاق، ولكن حرص رئيس الجمهورية على تنظيم حوار مع المعارضة ألزمها بالموافقة عليه، وقد تم توقيع هذا الميثاق من طرف الحكومة ممثلة في وزير الداخلية، وثلاثة أحزاب : الإنصاف ـ التكتل ـ اتحاد قوى التقدم.
رفضت أحزاب المعارضة الحوار الذي دعا إليه الميثاق الجمهوري، وكان من نتائج ذلك أنه تم تنظيم الانتخابات الرئاسية تحت إشراف نفس اللجنة التي لم توفق سابقا في تنظيم انتخابات تشريعية وبلدية تحظى بالحد الأدنى من المصداقية.
الآن، يمكننا أن نخرج بالاستنتاجات التالية:
أولا / أن المعارضة وخاصة منها تواصل والنائب بيرام هي من كان يقف خلال المأمورية الماضية ضد الحوار، والذي يفترض فيه أن يتضمن من بين أمور أخرى إصلاح المنظومة الانتخابية؛
ثانيا/ أن الذي وقف ضد إعادة تشكيل لجنة الانتخابات الحالية، وتصحيح الاختلالات التي عرفتها انتخابات 13 مايو 2023 ، هو المعارضة التي رفضت المشاركة في حوار شامل على أساس وثيقة الميثاق الجمهوري، هذا إذا ما استثنينا حزبي التكتل واتحاد قوى التقدم اللذين يعتبران هما المبادران بالميثاق الجمهوري؛
ثالثا / أن أخطاء لجنة الانتخابات الحالية يجب أن تتقاسمها المعارضة والأغلبية مناصفة، وذلك لكونهما قد تقاسما تشكيلها مناصفة. طبعا يستثنى من ذلك الأخطاء المترتبة على حجب التمويل، أو ممارسة النفوذ والضغط على اللجنة، فتلك أخطاء تتحملها الحكومة لوحدها، ولكن مثل هذه الأخطاء لا يذكر في سرديات المعارضة حاليا؛
رابعا/ صحيح أن الخروقات كانت كبيرة في انتخابات مايو 2023، ولكن الصحيح أيضا أن لجنة الانتخابات صححت الكثير من أخطائها في الاستحقاقات الحالية، ولعل أبرز تلك التصحيحات هو نشرها لكل المحاضر على منصتها، ومن المعروف أن المعارضة كانت تحتج سابقا بسب غياب المحاضر، ولكنها هذه المرة لا تستطيع أن تحتج بسبب غياب المحاضر، وذلك بعد أن أصبحت متاحة للجميع بعد نشرها للعموم؛
خامسا/ رغم كل ما سبق، فما تزال المعارضة ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وتهنئة الرئيس المنتخب، وما زال الرئيس المنتخب يصر على تنظيم حوار جديد مع المعارضة، وقد أكد ذلك في برنامجه الانتخابي، وفي خطابته في الحملة، وأخيرا في التهنئة التي بعث بها إلى الشعب الموريتاني بمناسبة فوزه؛
سادسا/ ربما تنقضي المأمورية القادمة والمعارضة ترفض للحوار، وربما تأتي انتخابات 2029 دون أن تحضر لها المعارضة، وهو ما سيرجح خسارتها من جديد في تلك الانتخابات، وهو ما يعني أنها ستعيد نفس ردود الفعل غير الديمقراطية، والتي عودتنا عليها مع كل استحقاقات، وهي ردود تبدأ بعدم الاعتراف بالنتائج، وربما تصل إلى احتجاجات، وذلك من قبل دخولها في سبات عميق لا تستيقظ منه إلا قبيل انتخابات جديدة لتشارك فيها دون تحضير، وهو ما يعني أنها ستجد نفسها أمام محطة فشل جديدة لا تجد ما تبررها به إلا القول بتزوير الانتخابات ورفض الاعتراف بنتائجها.
ويبقى السؤال : متى ستعترف المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية؟
جواب : عندما تكون هي الفائز.
ومتى ستفوز؟
عندما تعترف بفشلها وتجري نقدا ذاتيا، تحضيرا للانتخابات القادمة.

حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل

زر الذهاب إلى الأعلى