المرسوم “الخارق” / يعقوب ولد السيف

في قراره رقم 1/إ/2024، الصادر بتاريخ 12 يناير 2024، والمتضمن اعتماد قائمة بواحد وعشرين مرشحا من أصل قرابة مائة تقدموا لرئاسيات 25 فبراير 2024، فصل المجلس الدستوري وعلل قراره بشأن كل الترشحات التي توصل بها؛ سواء كان قراره بقبول انسحاب من طلب أو عدم مقبولية الترشيح، أو اعتماده حال توفر ما يبرر ذلك.
استقبل المجلس الدستوري السنغالي كل تلك الترشيحات رغم وجود (المادة 121) من القانون الانتخابي التي تنص صراحة على أن الترشيحات التي لا تكتمل قبل انصرام أجل تقديمها المحدد في (المادة 29) من الدستور يكون مصيرها عدم المقبولية الذي يعنى بالنسبة له كجهة قضائية قرارا بعدم نظر الترشح.
خلافا للمجلس الدستوري السنغالي رهن المجلس الدستوري الموريتاني، رغم غياب الدليل النصي، تسلم الترشحات باكتمال متطلبات الترشح، فامتنع عن تسلم الترشحات بمجرد الرفض ودون اتخاذ قرار متجسد بذلك.
في مداولته رقم: 2024/002 /م. د/ رئاسيات، المنشورة بتاريخ 17 مايو 2024، عزف المجلس عن التأسيس على مقتضيات الدستور أو القانون النظامي المتعلق بسيره أو ذاك المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية أو النظم الصادرة عنه لتكملة قواعد الإجراءات المتبعة أمامه في انتخاب رئيس الجمهورية، واعتمد على المرسوم 2012-278 الذي يفترض أن يكون نطاقه تحديد إجراءات الحملة الانتخابية، ومحملا للمقتضيات التي اعتمد منه ما لا تحتمل أو قاصرا لها دون ما تحتمل غيره:
وفق (المادة 2) من تلكك المداولة فإنه:” يحق لكل مترشح الاعتراض أمام المجلس الدستوري على اللائحة المؤقتة المبينة أعلاه، طبقا لمقتضيات المادة 5 من المرسوم رقم: 2012-278 ،الصادر بتاريخ: 17 دجمبر 2012، خلال 48 ساعة التالية لنشرها.”
فمن المقصود بالمترشح الذى له حق الاعتراض؟
هل يقصر الحق على من شملتهم اللائحة المؤقتة ،رغم عدم استساغة اعتراضهم على لائحة اعتمدت ترشحهم ، اللهم إلا ما تعلق ب:
-ترتيب اللائحة، ولو أن الوصف الأنسب لذلك حينها هو التصويب لا الاعتراض.
-أو حال إنفاذ (المادة 31 جديدة) من القانون رقم :2021 -216، الصادر بتاريخ :06 أغشت 2021، المعدل لبعض أحكام القانون رقم: 61 – 112، الصادر بتاريخ: 12 يونيو 1961، المعدل، المتضمن مدونة الجنسية الموريتانية، التي تنص على أنه:”…تتعارض الجنسية المزدوجة مع وظائف:
رئيس الجمهورية، ورئيس الجمعية الوطنية، ورؤساء المؤسسات الدستورية، والوزير الأول، وأعضاء الحكومة في القطاعات السيادية، وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية.”، أن يعترض أحد من وردت أسماؤهم في اللائحة على تضمنها لمن يقدر أنه لا يستوفى الشروط المطلوبة؛ مثلا: كأن يعترض على اعتماد مرشح لتعارض وظيفة رئيس الجمهورية مع ازدواج الجنسية بناء على أن مجرد تقديم ملف التنازل عن الجنسية لا ينتج أثرا قبل صدور مرسوم سحب الجنسية، وخلو ملف المترشح مزدوج الجنسية من ذلك المرسوم يبقى التعارض قائما.
أغلب من يتولون الوظائف المتعارضة مع ازدواج الجنسية، بمن فيهم رئيس المجلس الدستوري، تولوها قبل صدور تعديل (المادة 31) في 06 أغشت 2021، ومن الوارد أن بعضهم من مزدوجي الجنسية أصبحوا في تعارض مع الوظائف التي يشغلون، لذلك لن يتم التدقيق بشأن هذا الشرط تحديدا.
في الوقع يحتمل المقصود بحق الاعتراض غير ذلك ،وبشكل جلي ،خصوصا إذا تم  تلافى ما طبع مداولة المجلس الدستوري من تصرف تحكمي فى مقتضيات( المادة 5 ) من المرسوم 278/2012.
في النص الأصلي (للمادة 5) الذى هو: “يحق لكل شخص مترشح الاعتراض على إعداد اللائحة المؤقتة للمترشحين ” تمييز بين:
-“المترشحين: وهم من وردت أسماؤهم ضمن اللائحة المؤقتة.
– و” كل شخص مترشح”: وهو تركيب يحتمل  الدلالة على كل مترشح ورد اسمه فى اللائحة أم لم يرد.
يدعم انصراف المعنى لمن “لم يرد اسمه ” فى اللائحة :
-ما ورد فى نص المادة بخصوص محل الاعتراض؛ حيث هو (إعداد اللائحة):” يحق لكل شخص مترشح الاعتراض (على إعداد اللائحة) المؤقتة للمترشحين”، وليس محله (اللائحة) كما نسبت المداولة لمقتضيات (المادة 5):”يحق لكل مترشح الاعتراض أمام المجلس الدستوري (على اللائحة) المؤقتة المبينة أعلاه”.
-كون (المادة 5) من المرسوم 140-91، الصادر بتاريخ 13 نوفمبر 1991، المحدد لإجراءات سير الحملة الانتخابية والمبين للتنظيم المادي للانتخابات الرئاسية، الذي حل محله المرسوم 2012-278، نصت صراحة على:” لكل شخص قدم ترشيحه الحق في الاعتراض على إعداد لائحة المترشحين ويجب أن تصل الاعتراضات إلى المحكمة العليا قبل انقضاء اليوم الموالي ليوم نشر لائحة المترشحين …”.
-أن تلقى الترشحات عمل إداري يضطلع به الأمين العام للمجلس، بخلاف التقرير بشأن صحة الترشح الذي تختص به التشكيلة المداولة والمرتب بعد البت احتمالا ل:
-قبول الانسحاب من الترشح لتأتيه بمفهوم المعاكسة لمنعه بعد نشر اللائحة النهائية (المادة 8/جديدة) من الأمر القانوني 91-27. المعدل.
-عدم المقبولية للترشحات المتضمنة قائمة تزكيات أو وثائق غير صحيحة أو غير مكتملة.
– قبول الترشح مع تسليم الوصل وفق (المادة 4) من الأمر القانوني 91-27، المعدل.
المرسوم 2012-278، وجد إعمالا لمقتضيات المادة 11 من الأمر القانوني 91-027، الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل، التي نصت على:” تحدد إجراءات الحملة الانتخابية”، لكنه تجاوز ذلك، فأضاف هو من عنده:” عمليات التصويت في الانتخابات الرئاسية “التي تمثل مرحلة لاحقة على الحملة، ليعنون ب: ” الأمر القانوني المحدد لإجراءات سير الحملة الانتخابية وعمليات التصويت في الانتخابات الرئاسية.”
فوق ما تقدم توسع المرسوم ليشمل مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية بتخصيصه بابه الأول المكون من خمس مواد ل”إعلان الترشح” متعرضا بذلك لمسطرة الترشح وتنظيم عمل المجلس الدستوري بشأنها، ومن دون أي أساس قانوني، ورغم أنها تشكل موضوع مداولة المجلس بتاريخ 05 أغسطس 1997، التي أقر فيها النظام رقم :02-1997/إ.م. د، المكمل لقواعد الإجراءات المتبعة أمام المجلس الدستوري بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية.
المرسوم كذلك يتضمن مقتضيات مخالفة لما حمل النظام 02-1997؛ ففي حين يتحدث المرسوم 2012/278 عن اللائحة المؤقتة ونشرها ويخصها بتحديد آجال تقديم الاعتراض عليها والبت فيه، فإنه لا يذكر بخصوص اللائحة النهائية سوى إحالتها للحكومة.
على العكس من ذلك، لا ذكر للائحة مؤقتة في النظام رقم 02-1997، والحديث فيه هو دائما عن اللائحة النهائية :(المادتان 7 -8)، و(المادة 8) منهما تحديدا تنص على أنه:” يحق لكل مترشح لرئاسة الجمهورية أن يعترض على إعداد اللائحة النهائية للمترشحين لدى الأمانة العامة للمجلس الدستوري قبل انقضاء اليوم الموالي لنشرها ويبت المجلس الدستوري في الاعتراض المذكور فور القيام به”.
عهد الدستور في ماته (88/جديدة) إلى قانون نظامي بتحديد:” قواعد سير المجلس الدستوري والإجراءات المتبعة أمامه…”، وخصت المادة من تلك القواعد والإجراءات:” الآجال المفتوحة لرفع النزاعات إليه”؛
لكن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري الصادر من خلال الأمر القانوني 92-04، بتاريخ 18 فبراير 1992، المعدل، بخصوص جميع صلاحيات المجلس الدستوري في مجال انتخاب رئيس الجمهورية، أحال تحديد صلاحيات المجلس في ذلك إلى القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث نص في (المادة 50) منه على:” يحدد القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية صلاحيات المجلس الدستوري في هذا المجال”.
القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية؛ 91-27 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991، المعدل، تولى تنظيم الترشح لرئاسة الجمهورية في الفصلين: الثاني والثالث منه ولم يحل بشأنهما لأي جهة تنظيمية، تاركا المجال بخصوصها للمجلس الدستوري جهة الاختصاص الأصلي بشأن الانتخابات الرئاسية لإصدار النظم المكملة لقواعد الإجراءات المتبعة أمامه بالنسبة لانتخابات رئيس الجمهورية.
وجد “المرسوم 140-91، المحدد لإجراءات سير الحملة الانتخابية والمبين للتنظيم المادي للانتخابات الرئاسية”، الصادر بتاريخ 13 نوفمبر 1991، الذي ورثه المرسوم 2012-278، في ظل إسناد القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية اختصاص تلقي الترشحات والبت فيها للمحكمة العليا ،وقبل صدور القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري الذي تأخر صدوره حتى 18 فبراير 1992، وبالضرورة قبل أن يوجد “النظام رقم :02-1997/إ.م. د، المكمل لقواعد الإجراءات المتبعة أمام المجلس الدستوري بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية”، لذلك لم يكن من الغريب أن يتضمن فصله الأول “لإعلانات الترشيحات” في المواد من: (2 إلى 5) رغم كون مجاله ضبط بدقة من عنوانه: “سير الحملة الانتخابية والتنظيم المادي للانتخابات”.
المرسوم 2012-278 على النقيض من كل ذلك، فمن أين له هذه السطوة حتى لا يجد المجلس الدستوري غير مقتضياته ليؤسس عليها لما قرر في مداولته رقم: 2024/002 /م. د/ رئاسيات، التي نشرت بتاريخ:17-05-2024!

زر الذهاب إلى الأعلى