كيفة: زيارة الرئيس المرتقبة ومعاناة السكان ..! / الحسن ولد محمد الشيخ
يزور السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مدينة كيفة خلال الأيام القليلة القادمة لتدشين بعض المنشآت الحضرية ووضع الحجر الأساس لِأخرى، تستفيد منها بعض الأسر المتعففة في لفتة غير مكتملة إلى الطبقات الهشة.
وهذا أمر محمود رغم ما يعتريه من نقص ومن مآخذ في البرامج والإجراءات.
سيصل الرئيسُ كيفة في ذروة الصيف؛ حيث الحر والقحط، وسيشق موكبه وسط المدينة في احتفال بائس في قالب بهيج،
وسيُستقبل بالحفاوة المعهودة عند أهلنا في سكطار وأنتو واتويميرت وأدباي والنزاهة ولقليّك وفي كل أحياء المدينة بالرقص وقرع الطبول وصوت المزامير والألعاب البهلوانية، والزغاريد وطلقات البنادق التقليدية .. إنها ألعاب فلكلورية تحكي في المجمل قصة شعب عانى ظلما اجتماعيا لاتزال آثاره ماثلة، وقد آن لها أن تنقضي.
وستستقبله وجوه ناضرة تجلس في الصفوف الأمامية، ووجوه باسرة مغبرّة طَمَسَ الحرمان بهاءها، تقف خارج المنصة الرسمية حلبةِ المستفيدين.
وحين يُطلب اللقاء يكون مع “الوجهاء” والسياسيين من غير المهتمين بالقضايا الأساسية للمواطنين.
وكل سيغني على ليلاه .. يفخر ويمدح، وينهي معلقته بمطالبة الرئيس بالترشح.
هي وفود قادمة من العاصمة لإضفاء الصبغة الجمالية على المكان، لكن السيد الرئيس يميز سكان العاصمة، ويعرف أهل كيفة “جيدا”، فسيماهم في وجوههم من أثر المعاناة والحرمان والويلات …
سيقف الرئيس وسط الجماهير في كيفة مزهواً بانتصار “استمرار النهج” على إرادة الإصلاح، ويحييهم مثلما حياهم قبله رؤساء، ويخطب مثلما خطبوا ويتعهد كما تعهدوا .. وسيعترف لهم بمعاناتهم ويواسيهم، ويَعِدهم بالتغيير إلى الأحسن في العهدة القادمة مثلما تعهد سابقا، وللعهد عنده “معنىً”..!
بذلك يوزع جرعات جديدة من الأمل يستعين بها السكان في أيام الصيف المعطشة ريثما يعود الألم الذي تعودوه (تهميش وحرمان وهشاشة وبطالة وحر وشح في الماء وانقطاعات متكررة للكهرباء وضعف في التعليم وتدهور في الصحة وارتفاع في الأسعار).
ولكن هل تكفي تلك الجرعات لكبح جماح الشباب الطامح إلى التغيير، وهو يرى نظراءه في السينغال يدخلون القصر من بابه الواسع منتصرين في انتخابات حرة ونزيهة رغم تغول المشيخات الصوفية واصطفافها الدائم إلى جانب الدولة العميقة كما هو حال الزعامات القبلية عندنا.. ؟ إلا قليلا.
وحين ينظر الرئيس إلى مَن هم حوله في المنصة الرسمية مِن مرؤوسيه ومرافقيه ومنافقيه سيراهم يهزّون الرأس والرجل تأييدا ومباركة .. يصفّقون مثلما صفّقوا لسابقيه من الرؤساء، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
سيذهب الرئيس إلى المنشأة التي أُعدت للاستقبال اللافت بكل عناية، وسيتحدث بإنسانية المتألم للواقع إلى بعض المستفيدين الذين تتم تهيئتهم جيدا للحدث، وربما ينحني هنالك لشيخ مسنٍّ أو يطأطئ الرأس تواضعا لآخر مثلما سبق أن فعل صِنْوُه من قبلُ، فكل الصور تخدم الحملة الانتخابية …
وإن من التواضع ما قد يُحرج لبروتوكول الرسمي.
في كيفة سيتذكر الرئيس أنه على مرمى حجر من جمهورية مالي التي تشهد اضطرابات أمنية راح ضحيتها منمون موريتانيون تعوّدوا الانتجاع هنالك مثلما تعوّد مواطنوهم الإقامة والعمل في أمان في كيفة وغيرها من مدن البلاد.
فما هي الرسائل التي يمكن أن تصل مالي مع وجوده في كيفة بضرورة احترام وشائج القربى والجيرة والدين..؟
ومتى يصلهم أن مرتزقة فاغنر يهددون السلم والأمن في المنطقة، وأن عليهم الرحيل أو -على الأقل- الابتعاد عن الحدود ..؟
وما هي البدائل التي يأتي بها السيد الرئيس للمنمين الذين صاروا بين خيارين أحلاهما مر؛ إما المغامرة بالانتجاع في مالي أو نفوق أنعامهم في البلاد بسبب القحط الزاحف نحو المراعي..؟
وفي كيفة أيضا سيتذكر الرئيس مرابع صباه، وسيجدها كما كانت قبل عقود؛ دورٌ من الحجارة، وأخرى من الطين وخيام وأعرشة من خشب تحتضن كل المآسي، وتمثل الهشاشة في أبشع تجلياتها.
ولن يفوته أن لمسيلة ماتزال بِكرا فَبساتين واد الروظة وبلمطار والكمبة واتنيكيبة وأم لخبر وبوملانة والبكاي وأم اشكاك يمكن أن تشكل سلة غذائية بامتياز، وتحقق الاكتفاء الذاتي للمدينة بل للمقاطعة إن لم تكن الولاية حين تجد العناية والدعم الزراعي غير المغشوش.
كما لم ولن يفوته ما تملكه الولاية عموما من مقدرات اقتصادية وسياحية وثقافية بمقدورها تحقيق إقلاع تنموي يغير حياة السكان إلى الأفضل عند امتلاك الإرادة.
وقبل ذا وذاك تظل جرعة التخدير السياسي مع الشحن القبلي تكبّل نمط تفكير البسطاء في كيفة، وتجعلهم يكتفون من الغنيمة بالإياب .. بالحضور والتصفيق والرقص مثلما يرقص الأصم على إيقاع مُمَوّه .. وجوْقُ المنتخَبين و”الوجهاء” يُسَخّرهم في كل مرة لأهدافه، ويَسْخر منهم في أدائه المحكوم بالضحالة والفوقية.