المتقاعدون وخطاب الرئيس / محمد المختار ولد محمد فال

دشن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حكمه، بمستوى من الاهتمام بالشرائح الفقيرة والمعدمة، وتحدث كثيرا عن اهتمامه بتلك الفئات الضعيفة، جسد ذلك من خلال إدماج أعداد معتبرة في منظومة التأمين الصحي، كما رسخ مبدأ توزيع مبالغ مالية منتظمة على عدد من الفقراء في جميع أصقاع الوطن، وقام أيضا بزيادة تعويضات المتقاعدين وقرر منح إعاشاتهم كل شهر، بدل الثلاثة، التي ظلت سائدة قبله، كما قام بزيادة سن التقاعد وألغى معيار سنوات الخدمة، الشيء الذي خلق فسحة من الأمل لدى الفئات الأكثر هشاشة، والتي أصبح- إلى حد ما- من بينها موظفوا الدولة، الذين لا دخل لهم، سوى رواتبهم الشهرية.

وقد تعززت فسحة الأمل هذه، عند ما ترسخت قناعة، لدى كثير من الشغيلة، بأنه تجري الاستعدادات لرفع سن التقاعد، لتصبح خمسة وستين سنة(65)، وهو ما تناولته الصحافة منتصف السنة المنصرمة، بمستوى من التأكيد، لكن الأمل تبخر أخيرا بالنسبة للجميع، عند ما لم يتخذ قرار بخصوص هذه الزيادة، التي عولوا عليها وظنوا أن قرارها قد اتخذ فعلا وأن إعلانه أصبح مجرد مسألة وقت.

وفي ظل صدمة عدم التمديد، تسرب خبر، انتشر انتشار النار في الهشيم، يؤكد أن الرئيس قد قرر أن يزف بشرى في خطاب عيد الإستقلال، تعوض عدم زيادة سن التقاعد، تتمثل في منح مبلغ مالي لكل متقاعد يساوي راتب 48 شهرا، يساعده على التخفيف من وطأة ظروفه الجديدة، أسوة بما هو سائد في جميع دول العالم، باستثناء موريتانيا، التي دأبت على أن تبعث الجهة المشغلة فيها برسالة، تفيد بانتهاء عمل العامل أو الموظف، عباراتها جافة وخالية من أي مسحة إنسانية، الشيء الذي يضع المتقاعد في حالة نفسية صعبة، تجعله أمام معادلة صفرية، تجعله يندم على ماضيه في الشغل، وخسارته لشبابه في خيار دفع به وهو في مرحلة عمرية متقدمة نحو الفاقة وقلة ذات اليد، وحيدا في مواجهة صعوبات حياته الجديدة، التي وجد نفسه فجأة في أتونها.

ولمواجهة هذا الواقع، فقد دأب كثيرون على ما يشبه استئناف الحياة النشطة، فأصبحوا ناقلين، أو أصحاب حوانيت أو ما شابه ذلك، كي يتمكنوا من إعالة أسرهم، نتيجة لهزالة المعاش وعدم وصوله في السابق بشكل منتظم.

واقع دفع بالشغيلة والمتقاعدين هذه السنة إلى انتظار خطاب الرئيس بلهفة غير مسبوقة، بوصفه طوق النجاة الوحيد، الذي قد يخفف من معاناتهم الوشيكة.. لكن الخطاب انتهى، دون أن يلوح فيه الرئيس بأي إشارة أو تلميح للموضوع، الذي جعلهم يتسمرون حول التلفزة أو المذياع، فبقي البعض مذهولا بفعل الصدمة، متسمرا في مكانه غير مصدق لما حصل، الشيء الذي حرم كثيرين من مشاركة البقية في فرحة عيد الإستقلال، الذي يمثل رمزية كبيرة لكافة الموريتانيين.

البعض فسر تخلي الرئيس عن هذه الخطوة، بفعل بطانة نفوذها صاعد، تسعى لإقناعه باهتمامات أخرى مغايرة لما دأب عليه، منذ وصوله للسلطة.

البعض الآخر، يرى استحالة رمي ما يزيد على ست مائة موظف دفعة واحدة في خانة الفاقة والبؤس والتهميش، خاصة أن البلد مقبل على طفرة طاقوية، تؤهله للقفز باتجاه الغنى والوفرة.

فإذا كان عيد الإستقلال، قد مثل في السابق فسحة من الأمل واستذكارا للأمجاد الوطنية، فإنه في هذه السنة، قد تحول إلى مناسبة فقد فيها جيل من موظفي الدولة وغيرهم الأمل في أن تضمن الدولة الموريتانية كرامة مواطنيها بشكل عام وشغيلة بلدها بشكل خاص، الشيء الذي سيرسخ القناعة بأن من لم يستخدم وظيفته للثراء، فإن مصيره ماثل، وبالتالي فلن يحك  جلدك مثل ظفرك.. (“فبقدر فسادك تضمن “مستقبلك”)..

ترى أي الخيارين، ستختاره الدولة الموريتانية في عيدها الثالث والستين؟

بقلم/محمد المختار ولد محمد فال- كاتب صحفي

زر الذهاب إلى الأعلى