النقل العمومي.. المشاريع التي تغني عن غيرها / محمد عبد الله ولد لحبيب

قبل سنوات عديدة كان الصحفي الحق الربيع ولد إدومو يتحفنا بمشاهداته الشيقة، والشقية، في يوميات راكب سيارة الأجرة، واشتهرت المدونة زينب بنت محمد سالم بقصصها عن سائقي سيارات الأجرة وركابها…

ينظر كثيرون إلى وسائل النقل العمومي على أنها مجرد وسيلة لتنقل ذوي الدخل المحدود، في حين أنها تلعب أدوارا أخطر من ذلك بكثير؛ بل تكاد تكون واحدة من الأعمدة التي يقوم عليها بناء المدن الحديثة. لا مدينة بدون نقل عمومي، منظم، وشامل، ومكتف بذاته.

إن النقل العمومي واحد من أهم وسائل التغيير الاجتماعي، وخلق تجانس وتلاحم اجتماعي، ذي وعي جمعي مشترك. والذين زاروا مدنا كبرى من العالم يدركون حجم الدور الذي يلعبه النقل العمومي؛ ويرون حجم التركيز على الدعاية التجارية والفكرية التي تغطي جوانب الحافلات، ومحطات الميترو، عربات النقل المختلفة.

كل القضايا التي شكلت رأيا عاما تدوولت في وسائل النقل العمومية، وكل المرشحين الذين فازوا في الانتخابات مروا بها، كل الحركات الاجتماعية أنضجتها نقاشات الباص، وحتى المغنون الشعبيون جنوا دراهمهم الأولى، وجنى متدربو اللصوصية جناياتهم الأولى، بين جنبات الباصات.. بيعت الصحف وقرئت، وفي الباصات نشأت العلاقات التي أدت إلى الزيجات غير التقليدية..

بهذه الرؤية ينظر رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى النقل العمومي، وبهذه الخلفية، يختار مشاريع الأولويات في أعمال الحكومة، وبهذه العقلية يشرف على تسيير موارد الدولة؛ “التركيز على المشاريع التي تغني عن غيرها”.

أمس وضع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الحجر الأساس لخطوط نقل تغطي العاصمة نواكشوط، ستكون تتمة لجهود التطوير التي تشهدها شركة النقل العمومي منذ أربع سنوات.

أن تشكل إعادة النقل العمومي إلى العاصمة نواكشوط، واحدة من ركائز العمل على إعادة تأهيلها كمدينة قابلة للحياة، وتدرج ضمن اهتمامات السلطات العليا التنموية، إعادة الباص إلى ناصية الشارع، برؤية متكاملة، تجمع بين اقتناء وسائل النقل، وتحديث الطرقات، لتوائم الحاجة المتزايدة لسكان العاصمة نواكشوط.. فذلك هو السبيل إلى إعادة الأمل في أن تكون لدينا عاصمة قابلة للالتحاق بركب مدن العالم الحديثة.

الاستراتيجية التي تطبق الآن لصالح هذه الرؤية، تبدو متكاملة، وآخذة في التطور والاتساع؛ بدأت بجسور ثلاثة سيدخل أولها حيز العمل ابتداء من الشهر القادم؛ ستحل هذه الجسور الثلاثة أزمة المختنقات المرورية الرئيسية، وتؤمن ربح نصف الوقت الذي كان يقطعه المنتقلون من أحد أطراف العاصمة إلى مركزها.

تدعم الجسور الثلاثة بتوسعة غير مسبوقة، ستضاعف عرض الطريقين الرئيسيين اللذين يشقان العاصمة طولا وعرضا. مع حوالي ١٢٠ كلمترا من الطرق المعبدة في مختلف مناطق العاصمة.

إذا أضيف إلى هذه البنية الطرقية، أسطول نقل عمومي بخطوط متكاملة، تغطي العاصمة من نواحيها المختلفة؛ فهذا يعني عمليا إزاحة كثير من السيارات، ووسائل النقل المختلفة التي لجأ إليها المواطنون خلال العقود الماضية، وخنقت الطرقات المكتظة بالسيارات، وبالنتيجة فإن انسيابية الحركة في العاصمة باتت إنجازا ملموسا في الأفق المنظور. وهو لعمري أساس في القضاء على أزمات لا حدود لها.

إذا حلت المشاريع التي يشرف عليها، ويقودها، الرئيس محمد ولد الغزواني مشاكل النقل في العاصمة نواكشوط، وأنجزت مشروع الصرف الصحي، وأنهت الأحياء العشوائية، فقد أعادت بناء العاصمة نواكشوط على أسس حديثة، وحسم الجدل لصالح بقائها عاصمة للبلاد قابلة للتطور والنمو والتحديث. وتكون قد نالت هديتها اللائقة في ذكرى استقلال مجيدة.

 

Facebook Twitter WhatsApp انشر

زر الذهاب إلى الأعلى