نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية: فرصة لاكتشاف موريتانيا

عادت الحكومة الموريتانية للإعلان عن قرب تسلم نواكشوط مشعل عاصمة الثقافة الإسلامية بعد أن اعتذرت عنه في العام 2011 بسبب عدم الجاهزية. ويعوّل الموريتانيون على أن تكون التظاهرة مناسبة للتعريف بالخصوصيات الثقافية والحضارية للعاصمة ولعموم البلاد، من حيث رمزية لقب “بلد المليون شاعر”، وقيمة المخطوطات والمدارس الدينية المعروفة بـ”المحاظر”  التي تمثّل كنزا حقيقيا لهم.

قال مجلس الوزراء الموريتاني إن اعتماد نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2023 من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لم يكن اعتباطيا ولا وليد الصدفة؛ ذلك أن تاريخ هذا البلد وخدمة أعلامه للثقافة الإسلامية كفيلان بحيازته قصب السبق في احتضان تظاهرة كهذه.

وأضاف أن دور موريتانيا التاريخي في حمل مشعل الدعوة الإسلامية إلى ربوع أفريقيا جنوب الصحراء، ومساهمتها في نشر المذهب المالكي، مع ما رافق ذلك من وسطية واعتدال شهدت عليه المؤلفات وخزائن المخطوطات المنتشرة في ربوع البلاد، شكلا عاملا حاسما في اختيار نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2023.

وفي أواخر أكتوبر المنقضي أعلن وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان محمد ولد السويدات عن بدء التحضير العملي لأن تكون نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2023، داعيا الدول الأعضاء في الإيسيسكو إلى تقديم العون للخطة العملية لهذا الحدث.

وبين وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد سيدي أعمر طالب أن بلاده قد بدأت عمليا التحضير لهذا الحدث الهام عبر اعتماد الحكومة بيانا يقضي بالمصادقة على اعتماد نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية للعام القادم، ويتضمن جملة من الإجراءات الأساسية لاستكمال الاستعدادات قبل نهاية السنة الجارية. وهي سانحة لدعوة كافة الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم المباشر لخطة العمل الوطنية نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2023، خصوصا في ما يتعلق بالجانب الإعلامي، وذلك من خلال مواكبة المؤسسات المتخصصة في مختلف البلدان والتدخل المباشر عن طريق سفارات الدول الشقيقة بنواكشوط.

برنامج ثري ينتظر المساعدات

hh

وتقوم الحكومة الموريتانية حاليا بالترويج لمشروع نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية بهدف الحصول على مساعدات عملية تساعدها على إنجاز برنامج شامل وثري يكون في مستوى الرافد الثقافي المهم الذي تمثله البلاد للثقافة العربية والإسلامية.

ويعود تأسيس نواكشوط القديمة إلى الألف الأولى قبل الميلاد، عندما هاجرت قبائل بربرية قادمة من شمال أفريقيا إلى المنطقة وهيمنت عليها وجعلت منها جسرا للتواصل بين غرب ووسط أفريقيا، وجلبت هذه القبائل معها الجياد والجمال التي سهلت التبادل التجاري.

ودخل الدين الإسلامي إلى موريتانيا منذ القرن الثامن بفضل التجار المسلمين الذين قدموا إليها، وانتشر الإسلام في البلاد على يد يحيى بن إبراهيم أحد زعماء صنهاجة البربرية وذلك بعد عودته من الحج ومعه عبدالله بن ياسين الذي أنشأ رباطا قرب العاصمة نواكشوط لتدريس علوم الدين سنة 1035.

وعند تولي المرابطين -وهم فرع من صنهاجة- الحكم في القرن الحادي عشر اعتنقوا الإسلام وطردوا إمبراطورية غانا من موريتانيا عام 1076 بعد حرب دامت أربع سنوات، وذلك خلال فترة حكم أبي بكر بن عمر، ونشروا الدين الإسلامي في قبائل صنهاجة وقاموا بتوحيدها وعرفت مدن مثل شنقيط ازدهارا دينيا وفكريا.

وقد أطلق الفرنسيون اسم “موريتانيا” على منطقة غرب الصحراء التي كانت تسمى بلاد شنقيط، فأغضب الأمر الموريتانيين، لأنه تحريف لاتيني لكلمة “أتمورتناغ” الأمازيغي، ويعني بلاد المور أو بلاد السود، كما أن اسم نواكشوط بربري الأصل ومعناه “بئر الخشب”.

أما نواكشوط الحديثة فيعود تأسيسها إلى أواخر خمسينات القرن العشرين حين اختيرت عاصمة للدولة الوليدة على أنقاض قرية ريفية متواضعة لم يكن عدد سكانها يتجاوز 300 نسمة، وفي 12 يوليو 1957 عقدت أول حكومة موريتانيا في ظل الاحتلال الفرنسي اجتماعا لها في بلدة لكصر، وفي الرابع والعشرين من الشهر ذاته صدر مرسوم يقضي بنقل عاصمة الإقليم الموريتاني من مدينة سان

لويس في السنغال إلى العاصمة الجديدة. وفي 5 مارس 1958 وضع المختار ولد دادة، زعيم المقاومة الوطنية الذي أصبح لاحقا أول رئيس للبلاد، والرئيس شارل ديغول الحجر الأساس للعاصمة.

الثقافة والموروث العريق

yy

وينتظر أن تفسح تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية المجال أمام الكثيرين لمعرفة جوانب مهمة من ثقافة موريتانيا وموروثها العريق، وستشهد العاصمة نواكشوط خلال العام القادم العشرات من المهرجانات والتظاهرات الاحتفالية والعروض الموسيقية والإنشادية والمسرحية واللقاءات الأدبية والشعرية والمسابقات الدينية والثقافية والندوات الفكرية والعلمية، بمشاركة واسعة من الدول العربية والإسلامية لاسيما في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وكذلك من دول الخليج التي ما انفكت تقدم الدعم لموريتانيا في شتى المجالات.

وكانت موريتانيا تخلت عن التظاهرة في عام 2011 بسبب عدم الجاهزية، مما أثار موجة من الغضب والسخط في أوساط المثقفين ممن رأوا في القرار إساءة لبلادهم، وفي أغسطس 2010 أعلنت وزيرة الثقافة الموريتانية آنذاك سيسه بنت الشيخ تخلي بلادها رسميا عن تنظيم الاحتفالية بسبب عجز الوزارة، والمرافق الحكومية عموما، عن استضافة الحدث ولعدم جاهزية اللجان الحكومية التي اختيرت لإدارة المشروع، وأكدت أن القرار عائد إلى عدم استعداد موريتانيا للحدث بشكل عام، وغياب البنى الثقافية أو المنشآت العامة القادرة على احتضان الاحتفالية، مشيرة إلى أن هذا القرار اتخذ بعد دراسة معمقة لنتائج ثمانية أشهر من التحضير على مستوى اللجنة الفنية التي صادقت عليه بالإجماع مع موافقة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وأضافت أن هذه اللجنة تضم شخصيات مرجعية ثقافية تمثل معظم قطاعات الدولة.

العاصمة نواكشوط ستشهد خلال العام القادم العشرات من المهرجانات والتظاهرات الاحتفالية والعروض الموسيقية

ولفتت الوزيرة إلى أن قرار اعتماد نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية صودق عليه في اجتماع وزراء الثقافة في منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بالجزائر سنة 2004، وتم التأكيد عليه في مؤتمر الوزراء بطرابلس في ليبيا 2007، إلا أن الشروط الواردة في دفتر الالتزامات لم يبدأ العمل بها إلا سنة 2010 حيث قامت الدولة بوضع آليات من أجل التحضير لهذا الحدث الهام.

وقد أنقذ اختيار مدينة تلمسان الجزائرية عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2011، إلى جانب نواكشوط، المنظمة من الحرج الذي كان سيسببه تخلي نواكشوط عن التظاهرة قبل فترة قصيرة من انطلاقتها.

وفي نوفمبر 2019 أعلن المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم سالم بن محمد المالك عن اقتراح المنظمة نواكشوط لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية، معبرا عن استعداد المنظمة لاستصدار قرار من هيئاتها وقنواتها الدستورية يقضي باعتماد هذا الاقتراح، وأشار إلى أن التعاون بين الإيسيسكو والجهات المختصة في موريتانيا متميز ويشمل جميع المجالات العلمية والثقافية، مبرزا حرص المنظمة على توسيع وتنويع وتعزيز هذا التعاون وفق الأولويات الإستراتيجية في هذا البلد بما يستجيب للحاجة.

وأعلن في هذا الصدد عن عدد من المبادرات الهادفة إلى تعزيز هذا التعاون ومنها: استعداد المنظمة لدعم جائزة شنقيط والتعريف بها وتعزيز إشعاعها الدولي وإدراجها ضمن جوائز الإيسيسكو الدولية، وأيضا مساهمة المنظمة بإمكاناتها المادية والمعنوية في إنجاح الاحتفال السنوي بمهرجان المدن القديمة في موريتانيا بحيث يكون المهرجان نموذجا يحتذى به في الدول الأعضاء في المنظمة.

ويراهن الموريتانيون على أن تقدم تظاهرة نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية صورة مشرفة للبلاد خلال العام القادم، وهو ما أوصى به الرئيس محمد ولد الغزواني خلال الأسابيع الماضية مؤكدا على دور المناسبة في إبراز أهمية حضور العاصمة في محيطها العربي والإسلامي، لاسيما أن للبلاد تأثيرا واسعا في الخطاب الديني والأدبي والثقافي.

زر الذهاب إلى الأعلى