الصحافة مستقلة
قد يحسب النظام القائم أنه يملك ما يرغب به أحرار الصحافة أو يرهبهم،و لجأ هذا النظام لخوفه من الكلمة، لمحاولة تحصين نفسه،عبر تمرير قانون حماية الرموز،و إثر زيارة الرئيس لروصو،طالعت بيانا ينسبه البعض لمكتب وزيرة،عرفت بحركية الاستقبالات، إبان الزيارات الأخيرة لعاصمة اترارزه،و فى هذا البيان تهدد الصحافة،و لو لم يصدر ذلك القانون المثير للجدل،لما كان لهذا الجو المريب أن يتفاعل إلى هذا الحد،غير الصحافة الجادة، ستبقى أنظف و ربما أمضى تأثيرا من كل السلط المتاحة،و قد جرب ذلك من قبل فى موريتانيا و غيرها،فلا تتعبوا أنفسكم.
الصحافة ينبغى أن لا تدخل فى ظل الارتهان لمنافع أو مخاوف السلطة التنفيذية أو غيرها،و ينبغى كذلك أن لا تتجه الصحافة المستقلة المهنية، لاستهداف أي كان،و إنما الأفضل خدمة الحقيقة و التشبث بناصيتها،مهما كلف ذلك، من أثمان باهظة!.
الصحافة تخدم الدولة و المجتمع،و الأنظمة المتعاقبة،تجارب عابرة لها مصالح ضيقة،و مصالح الدولة طبعا أوسع و أشمل نطاقا من مصالح الأنظمة المؤقتة.
و فى هذا السياق جدير بالمسؤولين فى مؤسسة الرئاسة و كذلك فى الحكومة و غيرها من المستويات أن يوقنوا أن الصحافة تخدم وفق مهامها المرسومة،و لا تعقد الصداقات المغرضة و لا تعادى تجنيا و تحاملا،و إنما الأصوب أن تدور مع الحق،حيث دار فحسب.
فلا معنى لصحافة مهنية تتخندق فى صف الموالاة أو المعارضة،و إنما تحرص على ما ينفع الدولة و الشعب،بطريقة موضوعية.
و تخطئ بعض الجهات حين تطلب من صحافتنا المستقلة الالتزام بخط بعينه،و ربما ينشئ من هذا الكثير من اللغط و الخلاف غير الضروري.
و حان للصحافة أن تؤدي مهمتها المنشودة،بمهنية،بعيدا عن الارتهان،خوفا أو طمعا،و آن لجميع المعنيين بهذه الخدمة، تمثل الوعي المدني الضروري فى هذا الصدد.
و نصيحتي لزملائي فى هذا الاتجاه، أن يتمسكوا بعروة مهنيتهم،فيعاملوا الموالاة و المعارضة،بمرونة و دون انحياز،و مع مرور الوقت،ستظل العلاقات الأخوية و الشخصية طبيعية،و المهنة الإعلامية،مصونة من التخندق أو التنازلات غير الموضوعية.
و إن كنت مدركا أن قليلا من الزملاء أو الرسميين أو المعارضين من يقبل هذا الطرح،إلا أنه هو الذى ربما يحفظ للمهنة وسطيتها و جديتها و احترامها من طرف الجميع،فالصحافة على غرار القضاء أو التشخيص الطبي،يلزم أن تكون بعيدا عن المجاملة و تزوير المعطيات،و على الناس فهم أهمية وجود صحافة مهنية صادقة.
أما أن يستحسن المعارضون من الصحافة، أن تقف فقط مقارعة للنظام،و إلا وصمتنا بالعمالة،فهذا غير منصف،و قد يضرنا من عدة أوجه،أو يطيب لسدنة النظام فحسب،عدم اعترافنا ببعض مواقف المعارضة الشجاعة،فهذا طمع فى تضييق مجال حريتنا و مهنتنا.
فلطالما هرمنا من أجل هذه اللحظة،فالصحافة المستقلة مستقلة باختصار.
فلنعمل من أجل مصالح الدولة و الشعب و تعميق الاستقرار و التعايش الإيجابي بين الرأي و الرأي الآخر.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن – اسطنبول