فيلم “آية” في مهرجان سلا .. المرأة تتصدر ضحايا تغير المناخ بإفريقيا
يعد انحسار وباء كورونا، انعقدت حضوريا دورة جديدة لواحد من أكبر المهرجانات المغربية: الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، من 8 إلى 13 نونبر 2021. كانت كثافة الحضور والأنشطة المبرمجة دالة على محاولة تعويض الزمن السينمائي الذي أهدرته جائحة كورونا.
حرص المهرجان على أن تكون المرأة في قلب الفعل السينمائي، وفي قلب الحياة. وقد تضمن البرنامج العام لمهرجان المرأة أولا مسابقة رسمية للأفلام الروائية الطويلة حول تيمة المرأة، ثانيا مسابقة رسمية لأفلام وثائقية تتطرق لنضال المرأة من أجل المساواة وضد كل أشكال التمييز، وثالثا نافذة على الفيلم القصير المغربي من إخراج مواهب نسوية شابة، ورابعا نافذة على الفيلم الروائي الطويل المغربي، وخامسا تكريم السينما السويسرية، ضيف شرف هذه الدورة، سادسا تكريم ممثلتين مغربيتين هما سامية أقريو في حفل الافتتاح وثريا العلوي في حفل الاختتام.
جلب مهرجان سلا لفيلم المرأة أفلاما بحكايات من جغرافيات مختلفة… من وسط آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية… من هذه الأفلام “آية” 2021 من الكوت ديفوار. جرى تصوير بطلة ومكان إفريقي بكاميرا المخرج البلجيكي سيمون كوليبالي جيار.
Aya 2021 Simon Coulibaly Gillard
وقد عرض الفيلم ضمن برنامج أسيد في مهرجان كان 2021.
ACID Cannes 2021
قدم الفيلم نظرة عن حياة النساء جنوب الصحراء… نساء بين رمل الصحراء الساخن وماء البحر المالح الذي يفترس ذلك الرمل من اطرافه… تقضي المراهقة آية كل وقتها في تدبير وتحضير الطعام في بيئة عدوانية شحيحة دون أن تشبع… هذا يسبب إنهاكا بدنيا هائلا يجعل النوم مسيطرا على الجفون… في أجواء كهذه ينتقل ملل الحياة الواقعية إلى إيقاع الفيلم… هكذا صار الفيلم التخييلي توثيقيا في كثير من جوانبه… هذه خاصية فنية تحبها المهرجانات السينمائية ولا يطيقها شباك التذاكر.
يتآكل الساحل، يتقدم البحر ويمحو البلد… مراهقة تتأمل أطلال موطنها يتبدد… قبور مثقوبة ومنازل منهارة… في الفيلم وحدة حدث وزمن ومكان… جزيرة تتآكل من أطرافها وسيبتلعها المحيط. ماذا سيفعل السكان؟
لا بد من رحيل إجباري…
أطلال الجزيرة التي تتآكل… أطلال القبور… هذا كل ما تقى من حياة آفلة… يشبه هذا مطالع قصائد قديمة… يعيش البشر حكايات تتشابه في خطوطها العامة… حيثما حل الخراب وجب الرحيل، وهذا يغذي الحنين… ما الذي ستعلمه شخصية آية للمتفرجين؟ سيتعلمون أنه من الصعب قطع الصلة بالأمكنة التي ولدوا وتربوا فيها…
آية اسم مسلم في مجتمع مسيحي… جزيرة تتآكل من أطرافها بينما تمثال مرية العذراء يتفرج على البؤس… ما كان مشاهد رومانسية تبدد بسبب التعرية البحرية… يجري تنقيل القبور للحفاظ على الأجداد… السكان يُرحلون الأموات أولا… تعرية بحرية قد تجرف القبور… فجأة تفهم وقائع متباعدة… تظهر الصلة بين التحولات المناخية ونمط العيش… هناك وضوح في تحول الوضعيات في الفيلم… رحل الجميع، بقيت المراهقة وحيدة في الجزيرة… لا تستطيع التكيف مع أمكنة جديدة…. وكأن لديها خيارا… هي وفية لبيئتها… هذا ما يميزها عن الهاربين.
بني الفيلم على واقعة حقيقية معروفة إعلاميا باسم جزيرة (Lahou Kpanda)، يتم تقديم وقائع بسيطة، تتطور الأحداث ويكتشف المتفرج أن الأحداث آخذة في التراكم تدريجيا، تتراكم لتصير أكثر تعقيدا. سيناريو فيه وحدة في المادة والموضوع والطريقة… جزيرة من النساء تقريبا… لم يكن هناك أب أو أخ اكبر ليقمع آية آو يرغمها. دراما مبنية على تنافر غايات الشخصيات، غاية الأم وغاية المراهقة آية.
سألتها أمها:
آية، هل سترحلين؟
أجابت: لا.
رحلت الأم وبقيت آية وحدها.
عزل المخرج بطلته في الجزيرة ليعصرها أمام الكاميرا… صارت نسخة مصغرة ماواغلي… عزلها ليختبر معدنها. ضحت آية وبقيت وحدها. صارت تحاور الحيوانات. تسأل السلطعون هل سيرحل؟
فيلم يغلب عنه الطابع الاجتماعي التوثيقي. يبدو أن آية ابنة الجزيرة وليست ممثلة، يهيمن توثيق الحقائق الطبيعية على تطوير التخييل… ويشتد هذا حين يكون المخرج قادما من بيئة ثقافية مختلفة ويريد أن يلتقط حقيقة عينة من المجتمع الأصلي بنظرة استشراقية متحيزة. مخرج يفترض أن البطولة هي الصمود والبقاء بينما الشبان يفرون من بلدتهم… لم يمنح المخرج بطلته الإفريقية ظروف عيشه البلجيكية، فقط أعارها وعيه البيئي الأوروبي الأخضر… فجأة تغيرت المراهقة، ولم يبق إلا أن تلقي خطابا في مؤتمر غلاسكو للتغير المناخي 2021، لتدافع عن التنوع البيولوجي وتناضل من أجل المناخ والبقاء في الجزيرة التي تغرق، وهي التي لم تكن تشبع. من الخطر أن يفرض المخرج صوته على شخصياته في ظروف اجتماعية يملكها هو ولا تملكها هي.
يبدو أن الحس النضالي للمخرج قد غلب منطق بناء الشخصية لديه.