موريتانيا بين إرث المحاصصة وحلم المواطنة: فرصة للتغيير الجذري/ عبد الرحمن الشيخاني بيب

موريتانيا بين إرث المحاصصة وحلم المواطنة: فرصة للتغيير الجذري:
تواجه موريتانيا منذ استقلالها أزمات عميقة أضعفت بنيتها السياسية والاجتماعية، وجعلت من تحقيق دولة المواطنة هدفًا يبدو بعيد المنال. من أبرز هذه الأزمات التي لا تزال تعيق تقدم البلد على مختلف الأصعدة: أزمة المحاصصة القبلية والجهوية والعرقية التي كرستها الأنظمة المتعاقبة. هذه المحاصصة لم تعد مجرد أداة سياسية للمحافظة على السلطة، بل أصبحت مع الوقت عائقًا كبيرًا أمام بناء دولة العدالة والمساواة التي ينشدها الجميع.
إرث المحاصصة وتأثيره السلبي:
منذ عقود، لجأت الحكومات الموريتانية المتعاقبة إلى توزيع المناصب والفرص بناءً على الولاءات القبلية والجهوية كنظام سياسي يستهدف القواعد الاجتماعية بدلًا من الكفاءة والجدارة. ورغم تبرير ذلك على أنه وسيلة لتحقيق “التوازن الاجتماعي”، إلا أن هذه السياسة أفرزت نتائج كارثية. فقد أدى تغليب الولاء الشخصي والقبلي على الكفاءة إلى تراجع الأداء المؤسسي، حيث أصبحت المؤسسات مجرد أدوات مهرئة لخدمة المصالح الضيقة بدلًا من المصلحة العامة. ثم إن هذه المحاصصة عمقت الشعور بالتمييز داخل المجتمع، ورسخت انطباعًا بأن الفرص موزعة وفق اعتبارات لا علاقة لها بالمواطنة أو العدالة. هذا إضافة إلى إقصاء الكفاءات الوطنية، حيث يجد كثير من أبناء البلد أنفسهم محرومين من المشاركة في إدارة الشأن العام بسبب عدم انتمائهم إلى القبيلة أو الجهة المناسبة.
دولة المواطنة المنشودة طريق الإصلاح :
إن تحقيق دولة المواطنة يتطلب قطيعة نهائية مع سياسة المحاصصة، واستبدالها بنظام يعتمد على الكفاءة والعدالة. لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال إصلاح شامل يعالج جذور المشكلة. المساواة أمام القانون يجب أن تكون الأساس الذي تُبنى عليه دولة المواطنة، فلا يمكن أن تكون الانتماءات القبلية أو الجهوية مبررًا للتمييز بين المواطنين. ثم إن مؤسسات الدولة يجب أن تُبنى على معايير الكفاءة والشفافية، بعيدًا عن تأثير الولاءات الضيقة التي كانت مصدر وأصل الفساد على مر السنين.
إلى جانب ذلك، يجب أن يتحول النقاش السياسي والإعلامي من التركيز على الانتماءات القبلية والجهوية إلى تعزيز الهوية الوطنية المشتركة، التي تحتضن كل مكونات الشعب الموريتاني دون تمييز. كما أن معالجة الظلم التاريخي الذي لحق ببعض الفئات والشرائح الاجتماعية يتطلب سياسات ملموسة تشمل التعليم، الصحة، والتنمية الاقتصادية، بما يضمن تمكين جميع المواطنين بشكل عادل بدل فتح الباب أمام الانتهازيين ممن يستغلون تلك المظالم استغلالا سياسيا يكرس مبدأ التمييز والتفرقة .
إرادة التغيير مسؤولية الجميع:
موريتانيا اليوم أمام لحظة تاريخية تستدعي من الجميع تحمل المسؤولية. التغيير يبدأ بالإرادة السياسية التي تتبنى إصلاحات جذرية تهدف إلى بناء دولة المساواة، لكنه أيضًا يتطلب دعمًا شعبيًا ومجتمعيًا يرفض المحاصصة ويؤمن بمفهوم المواطنة الحقيقية .. وهما رافدتين نتمنى تحققهما .
نحو أفق جديد …
إن دولة المواطنة ليست حلمًا مستحيلًا، بل هي الخيار الوحيد لبناء مستقبل مستقر وعادل. التخلص من المحاصصة لا يعني التخلي عن التعددية الثقافية والاجتماعية، بل يعني تحويلها إلى مصدر قوة وتنوع إيجابي بدل أن يكون سببًا للفرقة وخلق النزاعات . موريتانيا تستحق الأفضل، والانتقال إلى دولة المواطنة هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والتنمية التي ينشدها الجميع .