دراسة: ليس بضبط الكربوهيدرات وحدها يُعالج السكري

كشفت دراسة جديدة أجراها فريق بحثي من جامعة بريستول البريطانية عن أن عوامل تتجاوز ضبط تناول الكربوهيدرات تلعب دوراً كبيراً في تنظيم مستويات السكر في الدم، مما يثير تساؤلات بشأن فعالية أنظمة توصيل الأنسولين الآلية الحالية.

وتشير الدراسة المنشورة في دورية JMIRx Med إلى أن هذه الأنظمة، رغم تقدمها التكنولوجي، تفتقر إلى معلومات حيوية مطلوبة لتحسين عملية تنظيم سكر الدم.

ركز فريق الباحثين على تحليل بيانات المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع الأول ويستخدمون أنظمة آلية حديثة لتوصيل الأنسولين، مثل نظام OpenAPS لتحديد الأنماط في تغير احتياجات الأنسولين لدى مرضى السكري من النوع الأول، وتحليل مدى تكرار هذه

يعتمد نظام OpenAPS على عدة مكونات رئيسية لتحديد كمية الأنسولين اللازمة لضبط مستويات الجلوكوز في دم مرضى السكري من النوع الأول، وهو نظام آلي ومتقدم ومفتوح المصدر، يهدف إلى إنشاء نظام بنكرياس اصطناعي يتحكم في مستويات الأنسولين بشكل تلقائي.

يعتمد النظام على مجموعة من المدخلات والمكونات والتي تشمل جهاز المراقبة المستمرة للجلوكوز والذي يقوم بقياس مستويات الجلوكوز في الدم بشكل مستمر، عادة كل بضع دقائق، ويرسل البيانات إلى النظام.

وتوفر هذه القراءات المستمرة تحديثات فورية حول مستويات الجلوكوز، مما يسمح للنظام باتخاذ قرارات دقيقة بشأن جرعات الأنسولين المطلوبة، ثم تُستخدم مضخة الأنسولين لتوصيل الجرعات المحددة إلى جسم المريض.

ويمكن برمجة المضخة لتقديم جرعات دقيقة بناءً على الأوامر التي تتلقاها من النظام، إذ تُبرمج المضخة تلقائياً لتعديل معدلات الأنسولين القاعدية وضخ الجرعات التصحيحية بناءً على قراءات الجلوكوز.

خوازميات تحلل البيانات
يستند النظام إلى خوارزميات تحكم ذكية؛ تقوم بتحليل البيانات الواردة من جهاز مراقبة الجلوكوز المستمر ومقارنتها بالأهداف المحددة لمستويات الجلوكوز، ويمكن للمريض تقديم مدخلات إضافية تؤثر على قرارات النظام، مثل كمية الكربوهيدرات التي تم تناولها؛ فإذا قام المريض بتناول وجبة، يمكنه إدخال كمية الكربوهيدرات في النظام، مما يساعد الخوارزمية على تعديل الجرعات وفقاً لذلك.

وفي بعض الحالات، يمكن للمريض إدخال بيانات حول نشاطه البدني، مما يساعد النظام على تعديل الأنسولين بشكل استباقي، كما يمكن برمجة النظام لأخذ هذه الفترات في الاعتبار وضبط الأنسولين.

وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة إيزابيلا ديجين من كلية العلوم والهندسة في جامعة بريستول، إن النتائج تؤكد الفرضية الحالية التي تقول إن هناك عوامل تتجاوز الكربوهيدرات تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على مستويات جلوكوز طبيعية في الدم المعروفة باسم حالة يوجلايسيميا، وهي الحالة التي تكون فيها مستويات الجلوكوز ضمن النطاق القياسي.

وأضافت ديجين: “بدون وجود معلومات قابلة للقياس بشأن هذه العوامل، تتعامل الأنظمة الآلية لتوصيل الأنسولين بحذر، مما يؤدي إلى تقلب مستويات الجلوكوز في الدم بين الارتفاع والانخفاض”.

ومرض السكري من النوع الأول حالة مزمنة ينتج فيها الجسم كمية غير كافية من هرمون الأنسولين، المسؤول عن تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم.

والعلاج الرئيسي لمرض السكري من النوع الأول هو حقن الأنسولين أو ضخه عبر مضخات متقدمة، ويجب مطابقة كمية الأنسولين وتوقيته بدقة مع كمية الكربوهيدرات المتناولة لتجنب ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم، وبالإضافة إلى الكربوهيدرات، توجد عوامل أخرى مثل النشاط البدني، والهرمونات، والتوتر تؤثر على احتياجات الجسم من الأنسولين.

ومع ذلك، لم تُدرس تأثيرات هذه العوامل بشكل كافٍ، مما يجعل عملية تحديد جرعات الأنسولين معقدة ومحفوفة بالمخاطر، إذ يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير مستقرة قد تعرض صحة المرضى للخطر.

وكشفت نتائج الدراسة عن تعقيد تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري من النوع الأول، إذ تبيّن أن احتياجات الأنسولين تختلف بشكل كبير بين الأفراد؛ وأبرزت الحاجة إلى نهج علاجي مخصص لكل مريض، يأخذ في الاعتبار العوامل الفردية التي تؤثر على تنظيم الجلوكوز.

تحديد جرعات الأنسولين
وللتمكن من إدراج العوامل غير المتعلقة بالكربوهيدرات في الممارسات السريرية بشكل منهجي، يسعى العلماء إلى إيجاد طرق لقياس تأثير هذه العوامل بدقة، واستخدام هذه المعلومات في تحديد جرعات الأنسولين.

ويمكن لهذه الخطوات أن تسهم في تحسين دقة التنبؤ بمستويات الجلوكوز في الدم، وهو ما أظهرت الدراسة عدم إمكانية تحقيقه بشكل مستمر من خلال معلومات الأنسولين والكربوهيدرات وحدها.

ويقول الباحثون إن الدراسة تُظهر أن إدارة مرض السكري من النوع الأول أكثر تعقيداً من مجرد حساب الكربوهيدرات.

ويؤكد الباحثون أن البيانات الغنية التي يمكن جمعها من دراسة الأنظمة الآلية لتوصيل الأنسولين تستحق الجهد المبذول في تحليلها، خاصة في ظل التنوع الكبير في الأنماط التي تمت ملاحظتها حتى بين مجموعة صغيرة ومتجانسة نسبياً من المشاركين، مشيرين إلى وجود حاجة إلى نهج فردي لإدارة السكري.

مرضى السكري من النوع الأول
يعمل فريق البحث حالياً على تطوير تقنيات تحليل جديدة تتعامل مع طبيعة البيانات الطبية الواقعية المعقدة والمتنوعة، بما في ذلك التحديات المتمثلة في التباينات الزمنية غير المنتظمة والبيانات المفقودة.

ويركز الفريق على تطوير تقنيات معروفة باسم “التقسيم والتكتل” لأنواع البيانات الزمنية المتعددة المتغيرات، بهدف اكتشاف أنماط أكثر تفصيلاً والتعامل مع التحديات التي تطرحها بيانات الأنظمة الآلية.

ولتحقيق تقدم في هذا المجال، يسعى الفريق إلى الحصول على مجموعات بيانات مفتوحة الوصول طويلة الأمد، تحتوي على مجموعة واسعة من القياسات من أجهزة استشعار العوامل المحتملة، مع عينة متنوعة من مرضى السكري من النوع الأول.

كما يهدف الباحثون إلى التعاون مع خبراء في تحليل البيانات الزمنية وتعلم الآلة لمواجهة التحديات التقنية، مثل التعامل مع البيانات غير المنتظمة واكتشاف العوامل السببية وراء الأنماط المرصودة، بهدف تحسين الرعاية المخصصة للمرضى.

تشير نتائج الدراسة إلى ضرورة تبني تقنيات وأساليب جديدة لمساعدة الأطباء والمرضى في إدارة مرض السكري من النوع الأول بشكل أفضل؛ فمن خلال فهم العوامل المؤثرة في احتياجات الأنسولين الفردية، يمكن تحقيق تقدم ملموس في تقديم رعاية أكثر تخصيصاً وتجنب التقلبات الضارة في مستويات الجلوكوز.

ويعكس هذا البحث توجهاً نحو تحسين جودة حياة مرضى السكري من النوع الأول، من خلال استخدام الأدوات التكنولوجية المتقدمة وتحليل البيانات الواقعية.

المضدر: الشرق

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى