حديث قد يهم وزير الصحة / بابه ولد يعقوب ولد أربيه

في الطريق إلى المستشفى الوطني عبرتْ بمجابات خيالي قوافل من الأفكار و الهواجس ولا أكتمكم سرا أن للأمر علاقة بتجارب شخصية في المستشفيات الوطنية  !
تخيلت حراس  المستشفى وهم يفاوضونني بكل بيروقراطية على الدخول وتلك الممرضة التي لم تكلف نفسها عناء نزع بقايا الكريمات الليلية ، تخيلتها أيضا وهي تغالب النعاس منادية الطبيب المداوم باسمه الشخصي ، كأنه فرد من عائلتها .
تخيلت كذلك الطبيب المرتبك في قاعة الحالات المستعجلة وهو تائه وسط جمع فوضوي من المرضى المتفاوتين في وضعياتهم الصحية ،  مريض الانفلونزا العادية يزاحم صاحب النزيف الحاد و مريض الصداع النصفي ينافس صاحب الذبحة الصدرية في الحصول على سرير .
معالي الوزير دعك الآن من خيالي للحظات ولنتحدث على الحالات المستعجلة ، هذه المرة لن نتحدث عن المشاكل الكلاسيكية مثل نقص الكادر البشري ومحدودية الأجهزة والمعدات ومشاكل الصيانة وتأخر الاسعافات الضرورية في بعض الحالات الحرجة لكننا سنتحدث عن اكتظاظ الحالات المستعجلة بالحالات غير المستعجلة فمعظم الموريتانيين لا يزورون المراكز الصحية في المقاطعات ولا حتى المستشفيات الجهوية وعند زيارة المستشفيات الكبيرة لا يقصدون العيادات الخارجية التي ربما لم يسمع بها أغلبهم .
معالي الوزير ربما أكون قد رميت حجرا في مياه هذا الموضوع الراكدة لعلكم تجدون له حلا بإذن الله .
شخصيا أرى الحل في التوعية التي تخصص لها وزارتكم ميزانية معتبرة أو بإلزام المريض أن يحضر ورقة رفع من المركز الصحي الأقرب لمحل سكنه لكي يستفيد من العلاج في المستشفى الوطني ، الآن لنعد إلى رحلتي باتجاه المستشفى .
حين قطعت عشرة بالمائة من المسافة إلى المستشفى كنت قد تماديت في أخيلتي فرأيت الطبيب المسكين آنف الذكر وهو يلوي عنق أحاديثه كي يستخدم قاموسه المحدود من لغة موليير وكأنه في مسابقة “Dis-moi dix mots” التي تنظمها المعاهد الفرنسية في الخارج !
تخيلت كذلك أن الطيبب المداوم أمرني بلغة الإشارة أن أجلس على سرير نُقل عنه صاحبه قبل دقيقة إلى الانعاش .
معالي الوزير هل تتذكرون في سنواتكم الأولى بكلية الطب ما درستموه عن العدوى داخل المستشفيات تلك العدوى يكتسبها المريض بعد دخوله للمستشفى والتي تسببها غالبا كائنات دقيقة من بكتيريا وفيروسات وطفيليات وتصيب بشكل أخص المرضى من كبار السن أو الرضع أو أصحاب الأمراض المزمنة وقد لا يسلم منها الأصحاء من مرافقي المريض و المرضى الذين أجروا لتوهم عمليات جراحية أو عمليات قسطرة .
معالي الوزير من بين الحلول التي يمكنني كمراقب من خارج مهنة الطب أن أقترح لهذه المعضلة  :
– الحرص التام على نظافة الأيدي بين العاملين في مجال الرعاية الصحية .
– إلزام المستشفيات العمومية والخصوصية و المراكز الصحية بالتعاقد  مع شركات غير وهمية مختصة بالتنظيف (L’ hygiène) .
–  الحرص على الشفافية واحترام المعايير عند التعاقد بين المستشفيات و شركات التنظيف .
– المراقبة الدائمة للمستشفيات و شركات النظافة للتأكد من احترام المعايير التي تحددها وزارة الصحة .
– استخدام مبدأ التشجيع والعقوبة من طرف وزارة الصحة لكلا الجهتين ( المستشفى ، شركات التنظيف ) .
معالي الوزير أدرك جيدا أنه من الغريب بمكان أن يتكلم مواطن بسيط في موضوع طبي أمام أستاذ مبرز في طب الأطفال ولكن معظم الأفكار الطبية الناجحة انطلقت شرارتها الأولى من أناس غير أطباء و لأزيد الأمر غرابة سأخبركم يا معالي الوزير أن أول من تخيل زراعة الأعضاء وخصوصا زراعة الكبد كان مجنون ليلى حين قال :
وَلي كَبِدٌ مَقروحَةٌ مَن يَبيعُني ::بِها كَبِداً لَيسَت بِذاتِ قُروحِ .
وبما أن الشعر سبب مناسب للعودة إلى الخيال فلنعد إلى طريقي الذي وصلت منتصفه ، ساعتها تخيلت الطبيب وهو يكتب وصفته متعددة الأدوية بشكل مبالغ فيه وبطريقة نصف مقروءة تاركا بقية المهمة للصيدلاني أو عامل الصيدلة اللذان يجيدان فك ألغاز الوصفات الطبية .
معالي الوزير إن إفراط الطبيب في إعطاء الأدوية غير الضرورية قد يعود على المريض بنتائج سلبية منها ما يتعلق بالاستخدام المفرط للمضادات الحيوية الذي يؤدي بدوره إلى ظهور بكتيريا مقاومة لهذه المضادات و منها كذلك ما يتعلق بالفشل في وظائف الكبد والكلى الناتج عن تجاوز حدود معينة من استخدام المسكنات وغير ذلك من الأمور التي يعتبر ذكرها حشوا في حضرتكم .
كما أن فوضوية وصف الدواء للمريض قد تعود على المنظومة الصحية بإنهاك اقتصادي .
ربما يكمن الحل في رقمنة وأرشفة الوصفات الطبية مع الحفاظ على سرية معلومات المريض  .
هذه الخطوة ستغلق بابا آخر يؤدي إلى كتابة الوصفات لمآرب ثانية لا علاقة لها بالطب مثل الإدمان والجرائم ذات الصلة بالأدوية المنومة و المتاجرة بالدواء المدعوم في السوق السوداء  !
زد على ذلك أنها ستعطي أرقاما يمكن استخدامها في عدة دراسات احصائية سنوية ستكون خير موجه بإذن الله للعاملين على رسم السياسات الصحية و ستمكن ” كاميك” والفاعلين الخصوصيين في مجال الصيدلة من معرفة ما يحتاجه البلد من الأدوية و مواسم الطلب عليها .
معالي الوزير ربما تلاحظون أن رحلتي قد طالت   نتيجة للبعد من المستشفى ومن أجل ذلك أذكركم بأن الخريطة الطبية غير متوازنة في ولايات نواكشوط الثلاث ناهيك عن الداخل وبالتالي أقترح ولو على الأمد البعيد :
–  إنشاء مستشفيات جامعية في كل جهة من جهات الوطن .
– دعم وتطوير المستشفيات الجهوية
– تشجيع المستثمرين في المجال الصحي على فتح مستشفيات خاصة بطريقة تراعي توازن الخريطة الصحية .
الآن وصلت المستشفى ولكن قبل أن أدخل تخيلت عامل نظافة يخرج كمية من النفايات الطبية دون فرزها وكما تعلمون يا معالي الوزير هنالك نفايات خطرة فحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية بتاريخ 8 شباط/فبراير 2018 هنالك  15% من النفايات الطبية سامة وخطرة وبالتالي فإن التعامل مع هذه النفايات يقتضي:
– الحرفية و الحذر التامين .
– التأكد من تدريب عمال النظافة على طريقة فرز النفايات الطبية للتعامل لاحقا مع كل منها حسب خصائصه الفيزيائية والكيميائية والبيلوجية.
وصل الأدرينالين أعلى مستوياته وأنا عند باب المستشفى فقررت أن أنهي تلك الرحلة التي طالت أكثر من المعتاد دون أن أدخل  قاعة الحالات المستعجلة .

زر الذهاب إلى الأعلى