انتخابات 29 يونيو.. قراءة في الخطاب الحقوقي للمرشحين / موسى أعمر

في سياقٍ انتخابي عالمي، وخطاب حقوقي متصاعد تشهدهما المنطقة وكبريات دول العالم؛ جاءت انتخابات 29 من يونيو المُنقضي لاختيار رئيس للبلاد، تبدأ مأموريته مطلَع أغشت القادم، بإذن الله.

وبانتهاء الحملات الانتخابية، وإعلان المجلس الدستوري انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية ثانية؛ أمكَنت العودة لخطابات وبرامج المترشحين الـ7 في انتخابات يونيو، وتسجيل ملاحظات حولها فيما يتعلق بحضور حقوق الإنسان، وأفق طموح كل مرشح، ومعالم رؤيته للمجال.

انزياح للوسط

رغم شُهرتِه بخطاب حقوقي لافت على مدى السنوات الـ15 الأخيرة؛ بدا المرشح الرئاسي بيرام الداه هذه المرة، عكس ما لوحظ في خطاباته خلال ترشحَيه السابقين، منزويا نحو منطقة الوسط، متكلفا في جل خرجاته الإعلامية التأكيد على خطه “الشرائحي” الجامع، الجديد، بدل الحقوقي المناهض للعبودية، والمنافح عن مظلمة لحراطين حصرا.

هذا الخطابُ أظهر المرشحَ متمركزا ضمن أصحاب الخطاب السياسي الدعائي متعدد الأوجه، فكان حظ حقوق الإنسان من خطابه الرئاسي غير فصيح، عدا ما تعلق بالمادة 306 من القانون الجنائي التي صرح بنيته إعادتها لما قبل التعديل المعمول به حاليا، بالإضافة لإصلاح المنظومة الجنائية عموما؛ لتتماشى مع “القرآن والحديث” وفق فهم المرشح.

اهتمام بالمرأة وطرح تقدمي

في خطابَي المرشحَين: الدكتور أوتوما سومارى، والأستاذ العيد محمدن؛ بدا واضحا اهتمام بالمرأة، وإفرادهما أجزاء من برنامجَيهما للمنافحة عن حقوق المرأة، بشكل يعكس خلفية الرجلين الحقوقية.

وفي حين أظهرت نسخة أولى من برنامج المرشح سومارى (سحبت لاحقا) خطابا نَسويا جندريا بخصوص القوامة والعمل والزواج والطلاق؛ جاءت النسخة الأخيرة من البرنامج “مؤسلِمة” ذات النقاط المعترض عليها جماهيريا، مع بقاء جوهر الأفكار الواردة في النص المسحوب.

أما المحامي العيد ولد محمدن فقد ابتغى محاربة العبودية مسلكا لتكريس حق الإنسان في حياة كريمة، متعهدا -في برنامجه المنشور- بجملة من الإنجازات والإصلاحات في المجالات ذات الارتباط بأجيال حقوق الإنسان المختلفة، وكان للمرأة حضور بارز في خطابات المرشح، دافع عنه في آخر مهرجاناته الشعبية الأخيرة بشكل ملاحظ.

واتسم خطاب المرشحَين فيما يخص المرأة بنفَس تقدمي، مرره العيد بنخبوية ملاحظة في الطرح واختيار موعد وأسلوب الخطابات، وتجاوز سومارى عقباته بأخف الأضرار؛ مستشفعا بمسحة أخلاقية وتشبث بالشريعة الإسلامية مشهود له بهما.

تشخيص وتأصيل

امتاز طرح المرشحيَن الرئيسَين: محمد ولد الشيخ الغزواني، وحمادي سيدي المختار؛ بالتشخيص المفصل لواقع حقوق الإنسان في البلاد، مع اختلاف في الأولويات، وأساليب المعالجة والحلول المقترحة.

فقد اقترح الشيخ امادي سيدي المختار العودة للشريعة الإسلامية تأصيلا للبرامج والالتزامات فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والإرث الإنساني وآثار العبودية ومخلفاتها.

وكان تشخيص المرشح لواقع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد؛ تشخيصا شموليا يراعي الأبعاد المختلفة، وبدا تركيزه منصبا على علاج مسببات التأخر في تمكن/تمكين المواطنين من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ فبعد تجربة 5 سنوات في الحكم المباشر للبلاد، بدا برنامجه للخمسية القادمة (مقارنَة ببرنامج سابقتها) متحفظا في مجمل روافعه الخمس من إعطاء الكثير من التعهدات في مجال حقوق الإنسان على غرار سواها من المجالات، مركزا على الالتزام بإنفاذ النصوص القانونية في المجال، واستمرار التركيز على المشروع الاقتصادي والاجتماعي الموجه للفئات الأكثر عَوَزا.

واشترك خطابا المرشحَين في وجود أفكار ريادية وواقعية تعلقت بمجالات حقوقية من بينها: السكن، والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، والولوج للخدمات العامة، والاهتمام بذوي الهمم.

غياب ملاحظ

وفي حين أبدى جل المرشحين اهتماما بالحالة الحقوقية في البلاد تشخيصا ورغبةَ إصلاح؛ غابت نقاط حقوقية مهمة عن البرامج والخطابات، مثل إشكاليات اللاجئين، والمهاجرين في البلاد، وحقوق العمال، وقضايا العبودية المعاصرة.

كما غاب الخطاب الدقيق المشخص والمختلف فيما يتعلق بإشكاليات كبرى تشهدها المنطقة والعالم، وتُعنى بها بلادُنا بشكل ملاحظ، مثل قضية الصحراء، وحقوق الأقليات في الدول المجاورة، والموقف من القضية الفلسطينية، ومن التطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى