أبرز تحديات المأمورية الجديدة / د. اعل الشيخ الدح سيد أحمد البشير

الشعب الموريتاني عبر  في انتخابات 29 يونيو 2024 عن تجديد الثقة في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي حسم النجاح في هذه الاستحقاقات من الجولة الأولى  بنسبة 56.12 ٪؜.
في أول تصريح له عقب انتخابه رئيسا للجمهورية أكد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بأنه سيكون رئيسا لكل الموريتانين وهو مايعني طمأنة كافة الموريتانين بحقوق وواجبات متساوية أمام القانون.
إن خدمة بلدنا والمساهمة في إصلاحه  وتطويره يحتم علينا جميعا كل من موقعه المساهمة الجادة ولو بالكلمة في تحقيق تطلعات وآمال شعبنا في مستقبل افضل.
ما أردت من خلال هذا المقال، مشاركته مع جميع الموريتانين على تباينهم واختلاف رؤاهم السياسية  هو ضرورة العمل يد بيد مع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي عبر عن انفتاحه على الجميع وهذا الانفتاح يعتبر استمرار لنهج التهدئة الذي دأب عليه منذ توليه السلطة.
سياسة الانفتاح هذه والتعاطي بإجابية مع كافة الفرقاء يجب أن تكون محل ترحيب من الجميع وأن تكون أساسا قويا للعمل المشترك بين السلطة والمعارضة من أجل بناء بلد آمن يسع الجميع وتصان فيه الحقوق.
من المهم في هذه الجزئية المتعلقة بالانفتاح،  إنفتاح رئيس الجمهورية بشكل أكبر على أهل الخبرة وأهل الاختصاص واشراكهم في صنع السياسات والاستراتيجيات الوطنية الرامية الى بناء بلد متطور متماسك.
عملية إشراك اهل الخبرة المتخصصين في عملية البناء يعتبر نهجا مهما وضروريا لا غني عنه في  مسلسل الإصلاح و النهوض الذي ينشده جميع الموريتانين ويسعى اليه رئيس الجمهورية والذي تضمنه البرنامج الانتخابي الذي قدمه للشعب الموريتاني، لابد كذلك أن يتركز العمل في المأمورية الجديدة  على بذل المزيد من الجهود من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة من أجل توحيد  الموريتانين بكافة مكوناتهم وتعزيز روابط الأخوة بينهم وتغليب المصلحة العليا للبلد على أي مصلحة أخرى، وعليه فإن أهداف المأمورية الجديدة يجب أن تأخذ في الحسبان إشراك المواطن في عملية البناء  وأن لا تكون مساندة الرئيس في أداء مهمته النبيلة حكرا على فصيل سياسي معين أو أشخاص بعينهم.
إن الخطوة الأهم والتي ينتظرها الشعب الموريتاني في طريق بناء دولة قوية وعادلة يتوقف على اختيار رئيس الجمهورية لحكومته المقبلة وهو اختيار سيكون له ما بعده بالنسبة للشعب الموريتاني بكل فئاته وبكل أطيافه.
وفي هذا الصدد أستحضر المقولة الشهيرة لرئيس وزراء سنغافورة لي كوان يو، ” إذا أردت أن تنشأحكومة جيدة لابد أن تسلم زمام المسؤولية فيها لأشخاص جيدين”
وفي هذا السياق فإن كل اقتراح إيجابي متعلق بإختيار هؤلاء الجيدين لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية وبالتالي تحقيق البناء المنشود، يجب أن يكون محل ترحيب، فالموريتانيون ينشدون من خلال تصويتهم في انتخابات  29 يونيو، إصلاح حقيقي ومؤسسات قوية ومحاربة جدية للفساد بكل اشكاله وصوره.
إن محاربة الفساد من أهم الوعود  التي قطعها  رئيس الجمهورية على نفسه خلال الحملة الانتخابية ولاشك أن هذا التعهد، كان له الأثر الكبير والبالغ في استقطاب َوجذب  بعض فئات المجتمع المؤثرة والمهمة،  كالموظفين، والنخبة والطبقة العمالية والشباب، هذه الفئات التي تتطلع لسياسة ناجعة لإدارة البلد تنطلق من تشخيص شفاف وحقيقي للواقع المعاش اليوم، بدءا بغلاء المعيشة وقلة فرص العمل والهجرة الغير مسبوقة لشباب البلد وانعدام فضاء حقيقي وملائم للتشغيل وتدني الأجور وانعدام رؤية واضحة من طرف الجهات المعنية في إيجاد حلول ناجعة وعملية لكافة هذه المشاكل.
يجب التذكير هنا، أن هذا الواقع بصعوباته المتشعبة ساهم في عزوف بعض فئات مجتمعنا المهمة في عدم لعب دورها المحوري في بناء الوطن.
وهو مايستدعي  إرادة صلبة وقوية وجادة في هذه المرحلة في ابتكار حلول جذرية تكون النخبة الموريتانية من خبراء ومن متميزين ومن أهل الأيادي البيضاء والنظيفة أهم المشاركين في صياغتها.
من المهم لرئيس الجمهورية مع بداية المأمورية الجديدة الدعوة لملتقى جامع  يمكنه من نقاش أهم التحديات المطروحة والطرق العملية لتنمية البلد وتطوير مؤسساته مع المفكرين والخبراء في الداخل الموريتاني وفي الخارج.
الهدف من هذا الملتقى إو الملتقيات المرتقبة، يتمثل في تشخيص واقع البلد مع هؤلاء المتخصصين  والخروج باستراتيجية واضحة ومخرجات عملية وكذلك رسم السياسات الضرورية لتنمية البلد على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات.
وفي الأخير، ومن خلال تقديري المتواضع فإن بلدنا يحتاج إضافة إلى ماذكرناه آنفا لبعض الإصلاحات الجوهرية العاجلة من أجل كسب معركة العدالة والتنمية والتقدم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1. من الأمور المستعجلة مع بداية هذه المأمورية الجديدة هو إعتماد  سياسة حازمة في المجال الاجتماعي  تهدف لتحسين ظروف المواطنين المعيشية  وتحقيق الأمن الغذائي ومحاربة الهشاشة والفقر والبطالة ولا يمكن تنفيذ هذه السياسة الا بالاستثمار الحقيقي والفعلي في مؤسسات الدولة التي أنشأت لهذا الغرض والعاملين بها. السياسات المذكورة يجب أن تكون سياسات واقعية ويمكن تنفيذها وتقود للهدف المجتمعي الذي يسعى رئيس الجمهورية لتحقيقه، كذلك يجب أن تتميز هذه السياسات  بالنظرة الشمولية التي تصب بالدرجة الأولى في مصلحة المواطن الموريتاني و بالتالي القضاء على الفقر والبطالة والتهميش وغير ذلك من الآفات المعيقة للتنمية.
وفي الأخير يجب أن تفضي هذه السياسات إلى تمكين  فئات المجتمع الهشة من الولوج لسكن اجتماعي لائق.
2. تعميم التأمين والتغطية الصحية الشاملة أمر ينشده الموريتانيون وهو ضروري من أجل الاستقرار وكذلك معيار حقيقي وعملي للتجاوب  مع ارادة الشعب الموريتاني ونظرا للظروف الصعبة التي يعيشها جل المواطنين خصوصا كبار السن والنساء والأطفال وذوي الدخل المحدود من الجنسين  فإن تعميم التغطية الصحية يبقى أمر جوهري ومطلب ضروري من المهم تحقيقه.
3.يعتبر التعليم أولوية الأولويات بالنسبة للشعب الموريتاني لذلك يجب أن يدار هذا الملف الهام والاستراتيجي من طرف خبير وطني كبير  في مجال التعليم مدعوما بكل الوسائل الكفيلة والضرورية للنهوض بالتعليم. إن منح التعليم المكانة اللائقة به لا يمكن تصوره إلا من خلال بلورة استراتيجية وطنية جديدة مبنية على التكوين وتغيير المناهج بما يتناسب مع الأولويات المطلوبة من أجل بناء موريتانيا متطورة تضمن لأبنائها مستقبل مثالي تتعايش فيه جميع مكونات المجتمع بإنسجام وسلام ويضمن  للبلد التقدم والنماء والاستقرار.

4. .يجب الوضع في الحسبان التحديات التي يواجهها العالم من قبيل الحروب والصراعات وهو مايستوجب على الحكومة المرتقبة الاستثمار في الصناعة وفي التصنيع عن طريق بلورة رؤية وطنية  تعزز من خلالها الصناعة المحلية الوطنية وهو ما يجب أن يتم  على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات بما يحقق الاستقلالية الاقتصادية.
5.سيكون من المهم القيام بما يلزم في المأمورية الجديدة حتى نتمكن من الوصول للاكتفاء الذاتي من الحبوب تحديدا الأرز والقمح وكذلك الاكتفاء الذاتي من الخضروات…الخ.
من أجل تحقيق هذا المطلب الاستراتيجي من الضروري أن تستثمر الدولة في الزراعة وفي المزارع بتوفير كل مايلزم من قروض وتوفير للآليات الزراعية الضرورية والتنسيق مع الخبراء الزراعيين من أجل الاستفادة من التقنيات الحديثة في مجال استصلاح الأراضي الزراعية وتطوير التقنيات المستخدمة من أجل زراعة منافسة وقوية تضمن الاكتفاء الذاتي أولا وتضمن المردودية الاقتصادية المطلوبة ثانيا.
6. من أكبر التحديات في تقديري يبقي واقع البنية التحتية للبلد لذلك فإن من المهم للحكومة المقبلة الاستثمار في هذا المجال الذي يعتبر مجالا  أساسيا لا غني عنه بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي نشدها ونطمح لها كشعب.
إن تطوير بنيتنا التحدية سيكون دافعا من دون أدنى شك لنمو اقتصادي مطرد. لذلك من المهم لموريتانيا الاستثمار في البنية التحتية بطريقة مغايرة وبسياسات وإجراءات جديدة ومراجعة العقود الحالية والعمل على ابرام عقود جديدة تضمن للدولة تحقيق بنية تحتية ذات قيمة وخاضعة للمعايير الدولية.    إن الاستثمار في البنية التحتية أمر غاية في الأهمية لإطلاق إمكانات الاقتصاد الموريتاني وتعزيز  قدرته التنافسية وخلق الكثير من فرص العمل وتعزيز ريادة الأعمال وتسهيل التجارة. من المهم كذلك أن تشرك الدولة القطاع الخاص في جهود تنمية البنية التحتية  وتطوير نماذج شراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص من أجل تطوير بنية تحتية عالية الجودة الذي سيمكن بلدنا (موريتانيا) من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
لذلك فالاستثمار في كل هذه الهياكل التي تدعم المجتمع مثل الطرق والجسور وموارد المياه والشبكات الكهربائية والاتصالات والصرف الصحي من منظور فني أو المدارس والمستشفيات وغيرها  من منظور وظفي تعتبر   التحديات الأكبر. والأهم في المأمورية الجديدة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
7.  تحسين ظرووف كافة الموظفين وخصوصا  العاملين في المجال التربوي وأفراد الأمن والعاملين في المجال الصحي ووضعهم في الظروف الملائمة.
8.تعديل وتحيين نصوص جديدة ووضع آلية مبتكرة لتطبيق القانون بالسرعة المطلوبة وخصوصا المتعلق منه بمحاربة الفساد. هذه الآلية المبتكرة هدفها الأول والأخير يجب أن يكون تطبيق القانون وانفاذه على الجميع دون تمييز وبشفافية تامة بعيدا عن تصفية الحسابات.

9.  فتح المجال أمام  الإعلام وخصوصا الإعلام  الاستقصائي من أجل فرض الشفافية في تسيير ممتلكات الدولة
10. الاستفادة من خبرات بعض الدول الصديقة في المجالات المهمة التي ذكرناها آنفا من أجل النهوض ببلدنا.
11. القطيعة التامة مع أهل السوابق وعدم استخدامهم  في تسيير  قطاعات الدولة
12.  نزول كبار مسؤولي البلد للميدان في المأمورية الجديدة  وتكثيف زيارتهم والاطلاع عن قرب على تنفيذ المهام الموكلة لهم وكذلك للمؤسسات التابعة لهم.
خلاصة القول فإن البلد يحتاج فلسفة جديدة وآليات مبتكرة تسمح بتحقيق مطالب الشعب الموريتاني المشروعة عبر رؤية واضحة وخطط عملية محكمة.

زر الذهاب إلى الأعلى