مداولة المجلس الدستوري رقم: 004-2024 / يعقوب السيف

في استحقاقات 29 يونيو 2024، ولغياب أي طعن فى صحة الاقتراع أو فرز الأصوات، لا قرارات للمجلس الدستوري بشأن النتائج سوى المداولة رقم: 004/2024/م. د/رئاسيات، ومع ذلك خالط هذه المداولة في نهجها في ترتيب تأسيساتها واعتباراتها بقدرما شاب قرارا ت المجلس: 012،011 و012، بتاريخ يونيو 2019 مجتمعة، إن لم تكن زادت عليها، كما يظهر فى:

1-وصف المداولة للدستور بصفة “المراجع ” في أول تأسيساتها :” بعد الاطلاع على دستور 20 يوليو المراجع”، يعد اختصارا مخلا لما عرف دستور 20 يوليو من :” تعليق مع انقلاب 03 أغسطس 2005، أعقبته إعادة العمل مع التعديل وما تلا ذلك من مراجعات”؛
دون تعمق، “التعليق” و”إعادة العمل” اصطلاحات خاصة بالحالة الموريتانية، بخلاف “التعديل” المستخدم من الدستور نفسه (المادة 40/جديدة) وإن كانت دلالته اللفظية لا تشمل “الإلغاء أو التكميل”، عكس “المراجعة ” الأوسع دلالة لاستغراقها لمعاني:” التعديل والإلغاء والتكميل”، ومع ذلك يبقى “التعليق” و”إعادة العمل” خارج نطاق معانيها، ما حتم استخدام “إعادة العمل” قبل أي وصف آخر في عنوان دستور 20 يوليو؛ وقوفا عند ما ورد في القانون الدستوري 2006-014 نفسه، وتشوفا لاستخدام منضبط للمفاهيم:
-أول ما عرف دستور 20 يوليو 1991 لم يكن “مراجعة”، بل “تعديلا”، كذلك سماه القانون الدستوري رقم :2006-014 الذي حمله، وهو وصف موفق؛ حيث إن ما طال الدستور لم يخضع لمسطرة المراجعة المقننة بحكم المقتضيات المحددة في (المادة 38 والباب الحادي عشر من الدستور) ، الذي يتخذها عنوانا له :” حول مراجعة الدستور”. بل إن الدستور نفسه حينها كان في حالة “تعليق” وجدت بفعل انقلاب 03 أغسطس، وتواصلت لما بعد صدور هذا القانون الدستوري بحكم نصه في (المادة 4) منه على أنه:” يدخل هذا القانون حيز التنفيذ بانتهاء المرحلة الانتقالية وفقا لما هو محدد في إطار الميثاق الدستوري الصادر بتاريخ 06 أغسطس 2005…”؛
-في نفس الوقت، ولأن الدستور نفسه حينها كان في حالة “تعليق”، فقد لزم قبل أي تعرض له أن يفعل من جديد، وهو ما عبر عنه في القانون الدستوري 2006-014 بعبارة : “المعاد العمل به “، ووجد تجسيده من خلال :
* العنوان الرسمي للقانون : “القانون الدستوري رقم 2006-014 صادر بتاريخ 12 يوليو 2006 يقضى بإعادة العمل بدستور 20 يوليو 1991 بصفته دستورا للدولة ويعدل بعض ترتيباته”. (الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 2006، العدد 1122، ص 384)
*النص في المادة الأولى من ذلك القانون على :” يعاد العمل بدستور 20 يوليو1991 بصفته دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية…”
– سيعرف الدستور “المراجعة” في 20 إبريل 2012، بموجب قانون دستوري وصف محتواه ب “المراجعة” : ” قانون دستوري رقم 2012-015 يتعلق بمراجعة دستور 20 يوليو 1991″. (الجريدة الرسمية بتاريخ 30 إبريل 2012، العدد 1262، ص 403).
-لاحقا، في 15 أغسطس2017 أخضع الدستور ل “مراجعتين” الأولى من خلال:” قانون دستوري استفتائي رقم:2017-021، يتضمن مراجعة المادة 8 من دستور 20 يوليو 1991 “، والثانية عن طريق:” قانون دستوري استفتائي رقم:2017-022، يتضمن مراجعة بعض احكام دستور 20 يوليو 1991 “. (الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 2006، العدد 1393 مكرر ص –ص 493 إلى 500)؛
ترتيبا على ما تقدم، فيكون التعريف بدستور 20 يوليو متضمنا وجوبا تعبير “المعاد العمل به” ثم يلحق بها بعد ذلك، “المعدل والمراجع ” أو بالاقتصار على أي منهما.
2-الخطأ في ترتيب تأسيساتها :
-بالنظر لمخالفته  لما اعتمد  المجلس نفسه في مداولته رقم:2014/003 /رئاسيات/م.د، بتاريخ :29 يونيو 2014 ،التي رتبت تأسيساتها على النحو التالي: دستور 20 يوليو 1991، المعدل – الأمر القانوني رقم:92-04، الصادر بتاريخ:18فبراير 1992،المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري- الأمر القانوني رقم: 91-027 ، المعدل، الصادر بتاريخ:07 أكتوبر 1991، المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية- النظام رقم:002-1997/إ.إ/م.د،الصادر بتاريخ:05 أغسطس 1997، المكمل لقواعد الإجراءات المتبعة أمام المجلس الدستوري بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية – القانون النظامي رقم: 2009-022،المعدل ،الصادر بتاريخ 02 إبريل 2009 الذى يحدد الترتيبات الخاصة المتعلقة بتصويت الموريتانيين المقيمين في الخارج.
-وكذلك بحكم غياب أي منطق في ما اعتمدت من ترتيب :
*فهى قدمت الأمر القانوني : 91-027، الصادر بتاريخ :07 أكتوبر 1991 والمتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، على الأمر القانوني رقم : 92-04، بتاريخ : 18 فبراير 1992، المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري.، رغم كونه النص الذي يعالج تنظيم المجلس، وسيره، ومعني بتحديد صلاحياته في مجال انتخاب رئيس الجمهورية، ما يرجحه مطلقا لأن يلي الدستور في كل ما يصدر عن المجلس من قرارات.
* كذلك ، فإن “النظام رقم: 02-1997/إ.إ.م.د/يكمل قواعد الإجراءات المتبعة أمام المجلس الدستوري بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية ” ،الصادر بتاريخ 05 أغسطس 1997، لا يمكن أن يكون أقل رتبة من المراسيم ، فهذا النظام وجد بمقتضى (المادة 55) من الأمر القانوني رقم: 92-04، بتاريخ: 18 فبراير 1992، المتضمن القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري، التي نصت على: “يكمل المجلس الدستوري عن طريق نظامه الداخلي قواعد الإجراءات الواردة في الباب الثاني من هذا الأمر القانوني …” ؛ فتكون قيمته من قيمة القانون الذى يمثل تكميلا له ، خصوصا أن صدوره-حتى ولو جاء متأخرا-  بمثابة استرداد المجلس الدستوري لصلاحياته في مجال انتخاب رئيس الجمهورية التي كان الأمر القانوني رقم: 92-04، قد أحال في مادته 30 تحديدها للقانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، مع أن الدستور قد حدد على سبيل الحصر مواضيعه  ،وذلك في الفقرة الأخيرة من المادة 26/جديدة بأنها:” شروط وصيغ قبول الترشح وكذلك القواعد المتعلقة بالوفاة وبمانع الترشح لرئاسة الجمهورية .”
على ما تقدم، يكون تقديم تأسيسات المداولة للمراسيم على النظام 02-1997/إ.إ.م. د، عملا تحكميا، لا يجد له من أساس، في ظل كون هذا النظام لا يخرج عن احتمالين:
*فإما أن ينظر له من حقيقة كونه جزء من القانون النظامي المتعلق بالمجلس الدستوري، فيحظى بذات القيمة. (مذهب المجلس في مداولته رقم:2014/003 /رئاسيات/م. د، بتاريخ :29 يونيو 2014)
*أو باعتباره قرارا للمجلس الدستوري، فيكون في مركز المهيمن على ما يصدر عن السلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية، بما في ذلك السلطة التنظيمية وما يصدر عنها من مراسيم.
3-استخدمت المداولة في تأسيسين متتاليين من تأسيساتها :
-الأمر القانوني 91-027 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، مع صيغة “والنصوص المعدلة له”.
– ثم في التأسيس اللاحق عليه مباشرة : “القانون النظامي 2019-026 الصادر بتاريخ 10 يونيو 2019، المعدل للأمر القانوني 91-027 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل بالقانون النظامي 2012-028 الصادر بتاريخ 12 إبريل 2012″، وهي مزاوجة غريبة؛ حيث الطبيعي الاستعاضة عن ذلك، إما باعتماد :
* الاكتفاء باستخدام تعبير :” والنصوص المعدلة له ” باعتبارها عبارة شاملة لكل التعديلات؛ (دون الحاجة لذكر أي منها بعد ذلك)
*حال الرغبة في الإشارة لتعديلات بعينها، ذكرها كتفصيل لعبارة “المعدل”؛ (المعدل بالقانون النظامي 2019-026…)
* أو سرد كامل التعديلات التي هي بالنسبة للأمر القانوني 91-027، الصادر بتاريخ :07 أكتوبر 1991 والمتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل، أكثر من ما تضمنت المداولة؛ حيث عرف التعديل منذ الأمر القانوني رقم : 91-32، الصادر بتاريخ : 14 أكتوبر 1991. وكذلك في: 2007 -001، بتاريخ: 3 يناير 2007، وبالقانون النظامي: 2009-021، الصادر بتاريخ: 02 فبراير 2009، قبل أن يعدل بالقانون النظامي :2012-028، الصادر بتاريخ: 12 أبريل 2012، ثم بالقانون النظامي رقم:2019-026، الصادر بتاريخ: 10 يونيو 2019.
4-غابت من اعتبارات وتأسيسات المداولة جميع النصوص المتعلقة باللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات؛ مع أن تلك النصوص ، و القانون النظامي 2012-027 الصادر بتاريخ 12 إبريل 2012 المتعلق بإنشاء اللجنة، المعدل ، منها تحديدا يلزم المجلس الدستوري استحضاره في كل قراراته المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ؛ بحكم إلغاء (المادة 32) من ذلك القانون “النظامي” -رغما عن الدستور- للأحكام المخالفة  له ،مع تخصيص تلك منها الواردة في الأمر القانوني 91-027، الصادر بتاريخ:07 أكتوبر 1991 والمتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل، بالإلغاء ،حيث تنص هذه المادة على:” يلغى القانون رقم 2009-017 بتاريخ 05 مارس 2009 القاضي بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ، وكذلك جميع الأحكام الأخرى المخالفة لهذا القانون وبالخصوص الأحكام المخالفة في:
الأمر القانوني رقم 91-027 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، المعدل.”.
5- كان الأولى بالمداولة أن تعنى بموضوع أداء الرئيس المنتخب لليمين واجبة الأداء قبل تسلمه لمهامه، باعتبار أنها تؤدى أمام المجلس بحضور مكتب الجمعية الوطنية ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، بدل الاهتمام بالتأريخ لبداية المأمورية؛ لعدم وجود ضرورة لذلك في ظل تكفل (المادة 26/جديدة) بضبط مدتها :” ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات”، ووضوح التأريخ لبدايتها في مقتضيات (المادة 29/جديدة) :” يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه”
6- فوضى التعاطي مع أسماء الحضور من أعضاء المجلس بين النسختين العربية والفرنسية للمداولة :
-حيث تم ترتبت أسماء الأعضاء في النسخة العربية على غير الذي رتبت به في النسخة الفرنسية؛ فقد وردت الأسماء كالتالي :
“وهكذا تمت المداولة من طرف المجلس الدستوري في جلسته المنعقدة مساء الأربعاء الموافق 3 يوليو 2024 بحضور السيد جالو مامادو باتيا رئيسا، وعضوية كل من السادة: عيشة بنت دشق ولد امحيميد، أحمد فال ولد امبارك، أحمد أحمد جباب، ماوا تانديا، إكبرو محمد الصديق غالي محمود اعبيد وبلال الديك”.
أما بالفرنسية فوردت بترتيب مغاير:
“Délibéré par le Conseil Constitutionnel dans sa séance du 03 Juillet 2024 en présence du président, M. Diallo Mamadou Bathia et les membres : Aichetou Mint Decheg, Ahmed Vall Ould M’Bareck, Ahmed Ould Ahmed Djibaba, Bilal Ould Dick, Hawa Tandia, Ikebrou Mohamed Sedigh et Ghaly Mahmoud.”
-استخدمت في النسخة العربية الأسماء الثلاثية لاثنين من أصحاب الشرف قضاة المجلس 🙁 عائشة بنت دشق ولد امحيميد-غالي محمود اعبيد) ، بينما لا وجود لأسماء ثلاثية في النخسة الفرنسية.
هذه الاختلافات بين النسختين وإن لم يكن لها من أثر قانوني، إلا أن وقوعها مع ذلك لا يناسب الرصانة المفترضة في قرار هيئة قضاء عال بالمكانة الممنوحة في الدستور للمجلس الدستوري وقراراته!

زر الذهاب إلى الأعلى