من يحكم؟/ أحمد محمد حامدينو
المبتدأ
إن للكون خالقا، مدبرا، خبيرا، عليما، سبحانه لا إله إلا هو الحكم، العدل، اللطيف، الخبير.
بعث الرسل هادين للرشاد، منذرين من الغي والافساد، فبلغوا وما بدلوا، صلوات الله وسلامه عليهم ما تعاقب الحكام إلى يوم التناد.
تنتظم البشرية في مجموعات وجماعات، تحت مسميات عرقية ودينية وسكنية، في عصور مختلفة وأزمنة متعاقبة، وتستظل هذه المسميات في نظامها العام تحت رأس هو الحكم بين أفرادها والناظم لشؤونها.
ولا تزال كل مجموعة أو جماعة تختار رأسها حسب الأسن أو الأفضل أو الأقوى وفي أحيان كثيرة تستسلم للمتغلب بالحق أو بالباطل، إلا أن الأمر تداول والأجل محتوم {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ.
الخبر
تعددت طرق تداول الحكم بتعدد الثقافات والعرقيات والحضارات، وعطفا على المبتدأ، نجد أن الأمر تُرك واسعا لمراعات طبيعة البشر في كل مكان وزمان، وتلك حكمة ونعمة إلهية تفضل بها الخبير العليم.
لقد كانت سقيفة بني ساعدة ومداولاتها، فقها للمسلمين، مع ما عضدها من إشارات نبوية لا تخفى في تولية أبي بكر رضي الله عنه. وهذا الأخير ولى عمر من بعده بعد مشاورات ومحاججات متجردة وصادقة.
ثم جاءت فلسفة الملهم لتحصر الخيار في الاخيار الستة مع حضور ابن عمر كمراقب ليس له من الأمر شيئ وفي ذلك ما فيه.
إن المنهجية التي خلصت إلى اختيار شهيد الدار لتستحق الدراسة والعناية لما فيها من التجرد والإيثار والحرص الشديد على مصلحة الامة ووحدتها، رضي عن الصحابة أجمعين وجعلنا نقتفي أثرهم إلى يوم الدين.
النعت
لو تجاوزنا خبر الصدر الأول إلى نعت الواقع اليوم، نجد أن تداول الحكم إما بالانقلاب أو الانتخاب، في أغلب الأحوال، وكلاهما وجه لعملة غربية، تصرف لمن يخنع ويخضع ويذل نفسه وأهله وعشيرته.
فالمنقلِب متغلِب جبري، يحكم حسب هواه وقوته، وسيصير لاحقا منتخبا نزيها محبوبا حتى يُنقلب عليه فيصير مذموما مجرما لا يلوي على شيئ.
أما المنتخب فهو المنقلِب سابقا والمنقلَب عليه لاحقا، إلا ما ندر.
وقد يحصل في غفلة من الساسة والمصالح، أن تُترك للشعوب فرصة الاختيار بالانتخاب، وحينها يكون الصالحون المصلحون الأقل حظا والأكثر ضعفا، لأن المنتخبين هاهنا عامة الناس، وفيهم الغوغاء والاحداث والمسنون والجهلة والاميون، حيث يكون عامل الانتخاب هو الشهرة مثل لا عب كرة قدم، ممثل كوميدي، طباخ، رجل أعمال، مطرب … إلخ.
التمييز
إن التمييز بين طرق تداول الحكم واختيار الأمثل والأعدل يتطلب أولا الانسلاخ التام من عباءة المستعمر الغربي، اقتصاديا وسياسيا وفكريا. ثم إن جهابذة علمائنا ومفكرينا لو جلسوا مستأنسين بالمبتدأ والخبر متجردين من ضغوط الساسة والعسكر، لخلصوا إلى طريق يفضي لتداول يحقق سنة التأمير ويحفظ الألفة والوحدة والمودة بين أفراد المجتمع.
الاستفهام
تخيل لو أن هناك هيئة للتعديل والتجريح يناط بها اختيار المؤهلين شرعا للإمرة فهل سنرى كثيرا من هذا الغبش والخبث الذي يطفو على الساحة الانتخابية؟
ماذا لو كان اختيار الحاكم حكرا على علماء الشرع والأئمة والقضاة؟ واختيار النواب حكرا على الأساتذة والمعلمين وشيوخ المحاظر والأطباء؟ وعلى هذا المنوال نتلمس ما يوافق شرعنا وثقافتنا ويحقق عزنا ونصرنا وسؤددنا حتى نلقى ربنا وهو راض عنا.
ما سبق نفحات من شيئ يتلجلج في الصدر يطفو كلما هبت رياح انتخابية سموم، لا تبقي ولا تذر، هدفها تقنين ما هو مسطر، من قبل الغرب والعسكر وإلى الله المشتكى.