موريتانيا : تعزيزالشراكة الإقتصادية و التكامل الإقليمي / محمد عبدالله اللهاه

تشهد منطقتنا منذ أشهر تغيرات هامة ستنجم عنها حتما تحولات اقتصادية جذرية في بلدان الجوار التي انسحبت منذ ايام من منظمة سيدآؤو و التيي تتميز بعدم الولوج الى موانئ وطنية. إن انسحاب هذه الدول الثلاثة (النيجر ومالي و بوركينافاسو) يفتح لبلادنا فرصة تعزيز التعاون الإقتصادي مع هذه الدول عبر شراكات تكاملية حقيقية تعزز دورنا الاقليمي، خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تؤهل لنا عوامل استقطاب استثمارات روسية و تقوية الشراكة بيننا. فعلى سبيل المثال، يمكن لشراكتنا مع أصدقائنا الروس أن تساهم في تطوير و عصرنة الموانئ و خاصة على مستوى العاصمة انواكشوط و فك العزلة عن هذه الدول بربطها ببلادنا عبر سكة حديدية لنقل البضائع توريدا و تصديرا بالقطار مما يقلص تكلفة النقل. فبناء سكة حديد من انواكشوط حتى باماكو او مدينة ديما الواقعة بعد انيورو على طريق العيون باماكو، قد لايكلف اكثر من ملياري دولار امريكي و هو ما يشكل استثمارا في متناول شراكة على هذا المستوى. إن مشروعا كهذا يدعم تكاملنا الاقتصادي مع دول الجوار و يعزز علاقاتنا حتى نتميز بدور رائد في المنطقة يوطد لمنظومة و تحالف اقليمي جديد، خاصة ان لهذه الدول جاليات مهمة من اصول موريتانية. فل ننتهز كل الفرص و لنفعل كل العوامل كما تفعل بعض دول الجوار للجاليات في اروبا ذات اصول من هذه الدول. ان استثمارا من هذا النوع زهيد مقارنة مع استثمارات شركاء تحالف الساحل الذي تجاوز 20 مليار دولار، خاصة عندما ننظر الى عشرات مليارات الدولارات التي تتدفق من الدول الغربية كمساعدات لاكرانيا و اسرائيل، بينما تلقي الينا هذه الدول بفتات مشكورة عليه من اعلى السلطات، رغم أنه لا يرقى الى مستوى ميزانية اصغر البلديات القروية في الدول الاربية. و ما الزيارة الأخيرة للوفد الاربي برئاسة رئيس حكومة احدى الدول الاربية الا تجسيدا لقذف ذلك الفتات الينا كمنحة سخية في منظور البعض من مسؤولينا مع الاسف الذين يتوهمون السخاء من بعض الدول بينما ينعدم السخاء في قاموس العلاقات الدولية التى تحكمها المصالح و تغيب عنها الاعتبارات الاخرى.
لقد حان الوقت أن نتخلص من الاعتبارات اللاموضوعية في علاقاتنا الدولية و ندفع بمصالحنا الوطنية كي تكون في أولوية العوامل التى توجه شراكتنا مع الدول. و في هذا الاطار، ننتهز الظرفية الحالية التي تفتح لنا فرصا ذهبية لتعزيز التعاون الموريتاني الروسي و جلب استثمارات روسية على ضوء ماذكرناه بداية و في مجالات أخرى عديدة، نذكر من ضمنها زراعة الحبوب على بحيرة تاودني في الجزء المشترك مع دولة مالي الشقيقة، و الشراكة الإستراتيجية في مجال تطوير صناعات الحديد الخام مثل رفع نسبة الحديد من الخامات الفقيرة و بناء أفران صهر الحديد و تكويره، و مجال الطاقة النظيفة بكل انواعها مما سيقلص تكاليف انتاجها و يغطي حاجيات بلادنا بل يمكن تصدير مازاد على اكتفائنا الذاتي الى دول الجوار. اما قيام شراكة لقطاع التنمية الحيوانية فسيشكل نقلة نوعية لهذه الثروة الكبيرة التي تشكل اول مصدر للعيش في بلادنا و التي سيمكن تطويرها من اضافة قيمة معتبرة و يعزز مكانتنا في اسواق الماشية لدول الجوار بل يمكن تصدير اللحوم الى اوروبا على غرار منتجات الصيد. فمجالات الشراكة كثيرة لان بلادنا لا تزال ناشئة و بالتالي تشهد كل القطاعات ورشات البناء. فحتى مياه الشرب و الري تشكل مجال تعاون و استثمار مشترك لان الكثير من قرانا تنقصها مياه الشرب حيث تعجز ميزانية استثماراتنا عن توفيرها في فترة وجيزة مرضية (انظر خطاب الرئيس في النعمة السنة الماضية) رغم وفرة المياه الجوفية المتوزعة على كل اطراف بلادنا. فإلى متى يظل غياب شراكة حقيقية موريتانية روسية غائبا رغم الظرفية المواتية و العوامل المحفزة الكثيرة. إن ذلك لن يكون ممكنا دون ارادة سياسية قوية و توجه لجميع الفاعلين، الشيء الذي لن يكون مبتغى عند بعض شركائنا الغربيين ان لم يغضبهم حيث يعتبرون روسيا عدوا لهم و منافسا قويا، و قد ظهر ذلك بجلاء في حرب أكرانيا. بل إن الدول الغربية زرعت في مجتمعنا مفاهيم مناوئة لروسيا حتى صار بعضنا ينظر بعين ازدراء الى كل ما هو روسي و حتى انه لا يعير نفس الاعتبار للمهندسين الذين تكونوا في الروس بنفس الدرجة للمهندسين الذين تكونوا في فرنسا مثلا. لقد كثرت تلك المفاهيم الخاطئة التي زرعت في مجتمعنا من طرف المستعمر و حلفائه كي نقتنع بتفوقهم في كل شيء و جودتهم المطلقة رغم زيفها. وهنا استطرد قصة ذكرها لي احد رجال اعمالنا رحمه الله جرت له حين اقام مصنعا لانتاج مادة غذائية بشراكة مع مصنع فرنسي. كان الفرنسيون يقومون بتحاليل دورية للانتاج و مقارنة المنتوج المصنوع في موريتانيا بنظيره المصنوع في فرنسا حيث يبعثون في كل مرة خلاصة التحاليل التي تتضمن بياناتها تفوق جودة المنتوج الفرنسي. و ذات مرة قام بتبديل التعليب حيث وضع المنتوج الفرنسي في اكياس المنتوج الموريتاني و العكس و ضع المنتوج الموريتاني في اكياس المنتوج الفرنسي. و جاءت بيانات التحاليل المخبرية المبعوثة من الفرنسيين كالعادة بنفس النتيجة التي تزعم تفوق المنتوج الفرنسي لان هذه مجرد اغنية يرددونها بانهم متفوقون في كل شيء. و برهنت تلك التحاليل ان المنتوج الموريتاني هو الاجود كما برهن على ذلك تحاليل مخبرية اخرى  اجريت في دول مغايرة. قليل من مواطنينا من يدرك حجم تلك المغالطات و المسوغات الغربية التضليلية كي يتحول كل منا الى معاق اعمى عن الحقيقة يعيش في الظلام طيلة حياته. فهل سنمتلك من الشجاعة و السيادة مانفتح به اعيننا على الواقع الحقيقي و ندرك المفاهيم الصحيحة حتى نتبنى سياسة تخدم مصالحنا و تخولنا استقلالية و لو جزئية. ان من ينظر بعين السخاء الى المجتمع الدولي فهو واهم و من ينتظر من الغربيين ان يدعمونا في نمو اقتصادنا و عصرنته فهو كالاعمى الذي يحلم برجوع بصره. فاذا كنت مثلا تزود سوق مدينة ببضاعة تجلب لك ربحا كثيرا، فهل ستعين ابناء هذه المدينة على تصنيع نفس البضاعة كي ينافسوك و يقصوك من سوقها حتى تفلس؟ الجواب لا يحتاج اي تفكير. و نحن نشكل سوقا استهلاكية و مجتمعا متخلفا يأمنون من عدم قدرتنا على منافستهم. فالى متى ننتظر مكتوفي الايدي من الآخيرين سخاء وهميا لدعم اقتصادنا و عصرنته و تنمية الصناعات و المشاريع الحيوية في بلادنا. رب اجعل هذا بلدا آمنا و ارزق اهله من كل الثمرات على ايديهم و بوسائلهم و تطورهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى