قاطع لتربح في الدنيا والآخرة ! / محمد الأمين الفاضل
لم تتأخر موريتانيا الرسمية والشعبية في الوقوف مع فلسطين وتقديم الدعم السياسي والإعلامي منذ بدء معركة طوفان الأقصى وحتى اليوم، ولم تتأخر كذلك في جمع التبرعات لأهلنا في غزة، ولكن نقطة الضعف الوحيدة المسجلة كانت في مجال المقاطعة الاقتصادية والتجارية، ففي هذا المجال لم يظهر أي عمل منظم في بلادنا، ومن هنا تبرز أهمية الملتقى الأول الذي نظمه الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني تحت شعار : “المقاطعة مقاومة”. وبمناسبة هذا الملتقى، فهذه بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة لنجاح المقاطعة.
(1)
إن المقاطعة تعد واحدة من أهم أساليب المقاومة ومن أكثرها إيلاما للعدو إن هي اتسعت واستمرت، وهي تتميز عن كل أساليب المقاومة الأخرى في كون ممارستها لا تكلف المقاطع بذل جهد أو إنفاق مال، بل على العكس من ذلك فإن من يستخدم سلاح المقاطعة سيربح على المستوى الشخصي فضلا عما يقدم للمقاومة من دعم في غاية الأهمية.
– إن من يستخدم سلاح المقاطعة سيربح مالا كان سينفقه للحصول على سلع وخدمات غير ضرورية، وهذا يعني أن من يقاطع سيرشد استهلاكه، وسيربح بالتالي مالا..
– إن من يستخدم سلاح المقاطعة لن يكسب مالا فقط، بل سيكسب حسنات كثيرة إن هو استحضر النية..
– إن من يستخدم سلاح المقاطعة سيستفيد صحيا، فالكثير من السلع القادمة من العدو وحلفائه، والتي ننفق عليها أموالا طائلة، هي في الغالب سلع استهلاكية تؤثر سلبا على الصحة إذا ما أفرطنا في استهلاكها..
– إن من يستخدم سلاح المقاطعة يدرب نفسه على الاستقلالية والخروج من عبودية الاستهلاك، فكثير منا أصبح اليوم عبدا لبعض السلع الاستهلاكية، وهو بحاجة ماسة لأن يتحرر من تلك العبودية.
من هنا يظهر أن من يستخدم سلاح المقاومة سيربح في الدنيا والآخرة.
(2)
من الناحية العملية فإني أرى أن المقاطعة يجب أن تمر بثلاث مراحل أساسية، وذلك لضمان نجاحها:
المرحلة الأولى : العمل على رصد السلع والخدمات المستهلكة في موريتانيا، والتي ينتجها العدو أو إحدى الدول الداعمة له، وإعداد لائحة بتلك السلع والخدمات؛
المرحلة الثانية : تشكيل لجنة اتصال يقودها علماء كبار تلتقي برجال الأعمال الذين يستوردون سلعا ينتجها العدو أو إحدى الدول الداعمة له، ومطالبتهم بالبحث عن بدائل لها، مع إعطائهم مهلة ثلاثة أشهر للبحث عن بدائل؛
المرحلة الثالثة : بعد انتهاء المهلة يبدأ إطلاق حملات المقاطعة الشعبية للسلع والخدمات التي تم رصدها، وبذلك نخرج من الإشكال الذي أثير في الجلسة الأولى حول جواز مقاطعة السلع التي تم استيرادها فعلا، والتي لا يمكن إرجاعها للمصدر، وذلك بعد أن استوردها تجار مسلمون لم يُشعروا مسبقا بمقاطعة تلك السلع.
(3)
إن المقاطعة لا تتعلق فقط بالسلع والخدمات بل إنها يجب أن تمتد لتشمل مقاطعة “القيم الغربية” التي أسقطها طوفان الأقصى، أو على الأقل كشف ازدواجية تلك القيم.
إنه علينا كمجتمع مدني أن نقاطع أيضا “المواعظ الحقوقية” التي تقدمها بعض الهيئات الدولية العاملة في بلادنا، أو تقدمها بعض المنظمات التابعة لبعض الدول الغربية، وخاصة منها تلك كانت تجاهر بمواقفها الداعمة للإبادة التي يرتكبها العدو ضد الشعب الفلسطيني.
إن الغرب (حكومات ومنظمات دولية) لم يعد يحق له اليوم أن يتحدث بصفته ممثلا للضمير العالمي، ولا بصفته وصيا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بعد أن فضحه طوفان الأقصى.
لقد كشف طوفان الأقصى بأن العالم بلا ضمير، وإن كان له ضمير فيجب أن تمثله جنوب إفريقيا ومن يقف معها من دول وشعوب العالم في معركتها القانونية النبيلة ضد الكيان الأكثر إجراما في تاريخ البشرية الحديث.
(4)
إن المقاطعة، وسواء كانت مقاطعة سلع أو خدمات أو كانت مقاطعة “قيم إنسانية مغشوشة”، لا تعني فقط رفض تلك السلع والخدمات والقيم، بل إنها تعني أيضا خلق بدائل لها.
وفي هذا الإطار، وفي مجال مقاطعة القيم الغربية الزائفة، فإنه من اللازم العمل على كشف الازدواجية الغربية، ويمكن أن يبدأ ذلك بالإعلان عن يوم عالمي لكشف ازدواجية الغرب يتم تخليده كل عام من طرف كل من يرفض هذه الازدواجية في العالم، ويمكن للمنظمات الفاعلة في جنوب إفريقيا أن تقود حراكا من هذا القبيل.
(5)
يبقى علينا أن نستحضر دائما أن المقاطعة لن تأتي بنتائج مهمة إلا إذا اتسعت واستمرت، ولذا فهي تحتاج إلى نفس طويل، وإلى تضافر جهود الجميع.
هذه بعض الأفكار السريعة التي سجلتها بعد الجلسة الأولى من ملتقى “المقاطعة مقاومة”، وذلك في انتظار ما سنسمع من المحاضرين في الجلسة الثانية.
حفظ الله فلسطين..