من انحسار الإحساس  إلى تفجير الحواس / د.الشيخ سعدبوه الشيخ سيد أحمد

من المأثورات الشعبية “الخيمة التي إن ألزمك الشرع  بشيء لها أخذته لا تجاورها بمسكنٍ” والمثل هنا يشير إلى درجة راقية من المروءة والكرم  قل نظيرها، وهناك مأثورات ليست قليلة تحيل على  معان سامية كانت هي التي تحدد وتعين منزلة الأفراد لدى الأمراء والمجتمع،فرغم كل شيء كان المجتمع عادلا مع نفسه، ثم  ظهرت أدبيات الاستعمار الممجدة للعالم الحديث مستغلة وسائل الإعلام، وسذاجة العامة ليتقرر في نفوس الناس أن كلّ قوي خيرٌ من الضعيف، بل كانت أزمات هذا  الضعيف حتى بعد استقلاله في كل مرة تؤطر عدالة القوي، وصدقه وأمانته ،وإن كان أقصى ما فعلته القوى الاستعمارية  الإحسان  على  الضعيف من  خير بلده ورد بعض ماله إليه ودعمه مع منة لا تخطئها العين ..…لقد كان المجتمع-وإن كان خلوا من مال ونقود- قد عوض ذلك كله  بما هو أغلى من الذهب  القيمة المعنوية لمعان الشرف والكرامة ولأجل ذلك  كثُرت حروبه، ونزاعاته لم  تقارقه .
بعد ظهور الدولة الحديثة ،ومع ظهور وسائل تحسين الحياة التي صارت  تملأ السمع والبصر، وجميع الحواس شعُر الإنسان الموريتاني أن باستطاعه أن يكسب مجدا كلما امتلك  أكثر، وهذا التسابق المحموم نحو وسائل تحسين الحياة لم يؤثر على أصحاب الثراء في نفوسهم فقط ،بل تأثرت به سياسة الدولة ومشاريع خدمة المجتمع ،وأصبحت أموال الدولة  التي هي أموال عامة ويجب أن تصرف في  مشاريع عامة  عاجزة عن تنفيذ رغبة العامة، لأنهَا محاصرة بعقلية اجتماعية ترى المجد كله في ترف ومال، ولم تكن الصحوة الدينية بريئة من تأسيس هذه العقلية التي تأسست فجاءة،
ليس لي من  إنكار أن الغني خير من  الفقير تارة لكن بشرط تقديم الآخرة على الأولى  ،لأنها المصير الحتمي الذي يجب أن  يتحكم في سلوك  المسلم ولا ينعكس   وإلى الله ترجع الأمور ،وهذا الأسلوب يحقق العزة والكرامة للنفس بعيدا عن الإلحاف في السؤال، و نسف ماء الوجه أمام الناس عامتهم  وخاصتهم ،وأميرهم ومأمورهم  .
أدى هذا التعلق بالمال إلى أن أصبح الفقير يوشك أن يخجل من فقره -وهي سيئة ما علمنا بمثلها إعراضا عن نعمة الله تعالى -ثم صار التنافس على المال يحول بين المثقف ونفسه وواقعه، وهذا يفسر أننا لا نجد كتابات نقدية تجري وفق منهج منطقي، لغاية النقد، بل يقتصر الأمر على إفراغ ذخيرة  كره لا تعدو أن تلبي تصفية حسابات  معينة في وقت لا حق مع هذا أو ذاك ..
إن مجتمعا  إن كان يسير إلى عقليات استبدادية فينبغي دراسة تلك العقليات  ،والمساعدة على قدر الاستطاعة في تقليصها،وإن كان المجتمع ينقرض أخلاقيا فلإنه مجتمعنا ووطننا ولا يمكن الخلاص منه…
لا تستطيع الدول العظيمة مهما كانت أن تعطيك فوق طاقتها،لكن الوطن  يعطيك  فوق طاقته، وإن حملّ  غيركَ فوق طاقته، أيها الإنسان المحترم ،إنك  متى  تتباهي بوطن ليس لك، ومهما تجنست فيه  تغرّبتَ عن دينك، وتجربة أسلافك  كنت كمن يفخر بجلدٍ غير جلده ونسب غير نسبه  وأرض ليست بأرضه ولون ليس بلونه.

زر الذهاب إلى الأعلى